أَنَّ الزَّوْجَ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ وَآخَرَانِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَضَى الْقَاضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ الْفَرِيقَانِ يَضْمَنُ شُهُودُ الِاخْتِيَارِ فَشُهُودُ التَّخْيِيرِ سَبَبٌ وَشُهُودُ الِاخْتِيَارِ عِلَّةٌ.
(فَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ قَيْدُ عَبْدِهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ، فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ حَلَّهُ آخَرُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِهِ، ثُمَّ حَلَّهُ، فَإِذَا هُوَ ثَمَانِيَةٌ يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
ــ
[التلويح]
أُمُورًا دَائِرَةً بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. مَثَلًا الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ مُبَاحٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْعِبَادَةِ مَحْظُورٌ، وَكَذَا الظِّهَارُ وَالْقَتْلُ الْخَطَأُ وَصَيْدُ الْحَرَمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِيهَا كُلِّهَا جِهَةً مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ مِثْلِ الشُّرْبِ وَالزِّنَا، فَإِنَّهُ يُلَاقِي حَرَامًا مَحْضًا.
فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ سَبَبَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ الْيَمِينُ، وَأَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ سَبَبٌ مَجَازًا قُلْنَا: بَنَى الْكَلَامَ هَاهُنَا عَلَى السَّبَبِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ حَتَّى ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشْفِ أَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ هِيَ الْيَمِينُ بِلَا خِلَافٍ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً؛ لِأَنَّهَا الدَّائِرَةُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لَا الْغَمُوسُ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا فَوَاتُ الْبِرِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْيَمِينِ هُوَ الْبِرُّ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَفَّارَةُ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ لِيَصِيرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ فَيُشْتَرَطُ فَوَاتُ الْبِرِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ، وَالْيَمِينُ وَإِنْ انْعَدَمَتْ بَعْدَ الْحِنْثِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ أَعْنِي الْبِرَّ لَكِنَّهَا قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْخَلَفِ وَالسَّبَبُ فِي الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ: وَلِشَرْعِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ) يَعْنِي أَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَقَاءَ الْعَالَمِ إلَى حِينٍ عَلِمَهُ وَزَمَانٍ قَدَّرَهُ سَبَبٌ لِشَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لِهَذَا النِّظَامِ الْمَنُوطِ بِنَوْعِ الْإِنْسَانِ بَقَاءً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِفْظِ الْأَشْخَاصِ إذْ بِهَا بَقَاءُ النَّوْعِ وَالْإِنْسَانُ لِفَرْطِ اعْتِدَالِ مِزَاجِهِ يَفْتَقِرُ فِي الْبَقَاءِ إلَى أُمُورٍ صِنَاعِيَّةٍ فِي الْغِذَاءِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى مُعَاوَنَةٍ وَمُشَارَكَةٍ بَيْنَ أَفْرَادِ النَّوْعِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ إلَى ازْدِوَاجٍ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَقِيَامٍ بِالْمَصَالِحِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى أُصُولٍ كُلِّيَّةٍ مُقَدَّرَةٍ مِنْ عِنْدِ الشَّارِعِ بِهَا يُحْفَظُ الْعَدْلُ فِي النِّظَامِ بَيْنَهُمْ فِي بَابِ الْمُنَاكَحَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ النَّوْعِ وَالْمُبَايَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ الشَّخْصِ إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَشْتَهِي مَا يُلَائِمُهُ وَيَغْضَبُ عَلَى مَنْ يُزَاحِمُهُ فَيَقَعُ الْجَوْرُ وَيَخْتَلُّ أَمْرُ النِّظَامِ فَلِهَذَا السَّبَبِ شُرِعَتْ الْمُعَامَلَاتُ.
(قَوْلُهُ: وَلِلِاخْتِصَاصَاتِ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا هُوَ أَثَرٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ كَالْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ وَالْحِلِّ فِي النِّكَاحِ وَالْحُرْمَةِ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى الِاخْتِصَاصَاتِ الشَّرْعِيَّةَ فَسَبَبُهَا الْأَفْعَالُ الَّتِي هِيَ آثَارُهَا وَهِيَ التَّصَرُّفَاتُ الْمَشْرُوعَةُ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَثَلًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِقْهَ هُوَ الْعِلْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute