للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّرْطُ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا، وَكَذَا إذَا فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ، أَوْ إصْطَبْلٍ. خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ أَنَّ فِعْلَ الطَّيْرِ وَالْبَهِيمَةِ هَدَرٌ، فَإِذَا خَرَجَا عَلَى فَوْرِ الْفَتْحِ يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا فِي سَيْلَانِ مَاءِ الزِّقِّ فَإِنَّ النِّفَارَ طَبِيعِيٌّ لِلطَّيْرِ كَالسَّيَلَانِ لِلْمَاءِ وَلَهُمَا أَنَّهُ هَدَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ لَا فِي قَطْعِهِ عَنْ الْغَيْرِ كَالْكَلْبِ يَمِيلُ عَنْ سُنَنِ الْإِرْسَالِ، وَإِذَا قَالَ الْوَلِيُّ سَقَطَ وَقَالَ الْحَافِرُ أَسْقَطَ نَفْسَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ)

أَيْ لِلْحَافِرِ (لِأَنَّهُ يَدَّعِي صَلَاحِيَّةَ الْعِلَّةِ لِلْإِضَافَةِ وَقَطَعَ الْإِضَافَةَ عَنْ الشَّرْطِ، فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ بِخِلَافِ الْجَارِحِ إذَا ادَّعَى الْمَوْتَ بِسَبَبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ. وَأَمَّا شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا

ــ

[التلويح]

إذْ التَّعْلِيقُ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى الشَّرْطِ بَلْ بِالْعَكْسِ وَخَرَجَ مَا إذَا اعْتَرَضَ عَلَى الشَّرْطِ فِعْلُ فَاعِلٍ غَيْرِ مُخْتَارٍ بَلْ طَبِيعِيٍّ كَمَا إذَا شَقَّ زِقَّ الْغَيْرِ فَسَالَ الْمَائِعُ فَتَلِفَ، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ مَنْسُوبًا إلَى الشَّرْطِ كَمَا إذَا فَتَحَ الْبَابَ عَلَى وَجْهٍ يَفِرُّ الطَّائِرُ فَخَرَجَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى السَّبَبِ بَلْ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صُورَةِ فَتْحِ بَابِ الْقَفَصِ فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ طَيَرَانَ الطَّائِرِ مَنْسُوبٌ إلَى الْفَتْحِ بَلْ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الطَّائِرِ هَدَرٌ فَيَلْحَقُ بِالْأَفْعَالِ الْغَيْرِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَسَيَلَانِ الْمَائِعِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا) مُشْعِرٌ بِالْخِلَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحَلَّ) بَيَانٌ لِكَوْنِ حَلِّ الْقَيْدِ فِي حُكْمِ السَّبَبِ لَا تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَحْضَ يَتَأَخَّرُ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبُ يَتَقَدَّمُهَا؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الْحُكْمِ وَمُفْضٍ إلَيْهِ بِأَنْ تَتَوَسَّطَ الْعِلَّةُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونَ مُتَقَدِّمًا لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ صُورَةُ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَحْضَ يَتَقَدَّمُ عَلَى انْعِقَادِهَا عِلَّةً لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمْنَعُ الْعِلِّيَّةَ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ الشَّرْطُ حَتَّى تَنْعَقِدَ الْعِلَّةُ فَحَلُّ الْقَيْدِ لَمَّا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِبَاقِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ التَّلَفِ كَانَ شَرْطًا فِي مَعْنَى السَّبَبِ لَا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هَاهُنَا مُسْتَقِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ، وَلَا حَادِثَةٍ بِهِ بِخِلَافِ سَوْقِ الدَّابَّةِ.

وَأَمَّا إذَا أَمَرَ عَبْدَ الْغَيْرِ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ، فَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ غَصْبٌ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ فَخَدَمَهُ. وَمَا يُقَالُ: فِي بَيَانِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى صُورَةِ الْعِلَّةِ أَنَّ مَا هُوَ مُفْضٍ إلَى الشَّيْءِ وَوَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ وَالْمَطْلُوبُ تَقَدُّمُهُ عَلَى صُورَةِ الْعِلَّةِ وَهَاهُنَا نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَ تَأَخُّرِ الشَّرْطِ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّرْطِ التَّعْلِيقِيِّ لَا الْحَقِيقِيِّ كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْعَقْلِ فِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ.

(قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ فِعْلَ الطَّيْرِ وَالْبَهِيمَةِ هَدَرٌ شَرْعًا، فَلَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّلَفِ إلَيْهِ فَيُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وَأَيْضًا هُمَا لَا يَصْبِرَانِ عَنْ الْخُرُوجِ عَادَةً فَفِعْلُهُمَا يَلْتَحِقُ بِالْأَفْعَالِ الطَّبِيعِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ سَيَلَانِ الْمَائِعِ فَظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ كَوْنِ فِعْلِهِمَا هَدَرًا وَكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>