للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطَيْنِ فَأَوَّلُهُمَا وُجُودًا شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا حَتَّى إذَا وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ لَا الثَّانِي لَا تُطْلَقُ وَبِالْعَكْسِ تُطْلَقُ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) .

صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَهَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَانَهَا فَدَخَلَتْ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الْأُخْرَى يَقَعُ الطَّلَاقُ، عِنْدَنَا (لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الْجَزَاءِ لَا لِصِحَّةِ الشَّرْطِ فَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْعَلَامَةُ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي نَظِيرِهَا الْإِحْصَانَ لِلرَّجْمِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ إلَى أَنْ يُوجَدَ هُوَ وَوُجُودُهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وُجُودِ صُورَةِ الْعِلَّةِ كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا وَهُنَا عِلِّيَّةُ الزِّنَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إحْصَانٍ يَحْدُثُ مُتَأَخِّرًا أَقُولُ مَا ذَكَرُوا) وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ أَمْرٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وُجُودِ صُورَةِ الْعِلَّةِ وَيَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ إلَى أَنْ يُوجَدَ هُوَ

ــ

[التلويح]

الْأَفْعَالِ الطَّبِيعِيَّةِ مُسْتَقِلٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الضَّمَانِ فَسَوْقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ فِعْلَ الطَّيْرِ وَالْبَهِيمَةِ هَدَرٌ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي اعْتِبَارَهُ فِي قَطْعِ الْحُكْمِ عَنْ الشَّرْطِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ هَدَرٌ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ فِي قَطْعِ الْحُكْمِ عَنْ الْغَيْرِ فَمَمْنُوعٌ كَمَا إذَا أَرْسَلَ شَخْصٌ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَمَال عَنْ سُنَنِ الصَّيْدِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ، وَهُوَ الْمَيْلُ عَنْ السُّنَنِ هَدَرٌ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَهِيمَةً لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَنْعِ إضَافَةِ الْفِعْلِ عَنْ الْمُرْسِلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا جَوَابٌ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَقَطْ مِنْ اسْتِدْلَالِ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا سَاقَ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ وَاحِدٌ.

فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ فَتْحَ الْبَابِ شَرْطٌ لَا عِلَّةٌ لَكِنْ سَبَقَ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ.

وَقَدْ يُقَالُ: الْحُكْمُ هَاهُنَا هُوَ التَّلَفُ لَا الضَّمَانُ، وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ إضَافَتِهِ إلَى فِعْلِ الْبَهِيمَةِ.

قُلْنَا: وَكَذَلِكَ إلَى الْفِعْلِ الطَّبِيعِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي صُورَةِ شَقِّ الزِّقِّ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا قَالَ الْوَلِيُّ) فَإِنْ عُورِضَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالظَّاهِرِ إنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَالْوَلِيُّ مُحْتَاجٌ إلَى اسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا) كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَوَّلُ الشَّرْطَيْنِ بِحَسَبِ الْوُجُودِ شَرْطٌ اسْمًا لِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لَا حُكْمًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ، فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَيْنِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ طَلُقَتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَيْنِ، أَوْ دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا فَأَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الْأُخْرَى تَطْلُقُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ وُجُودِ الْجَزَاءِ لَا لِصِحَّةِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَيْنِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَلَا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْيَمِينِ هِيَ الذِّمَّةُ فَيَبْقَى بِبَقَائِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عِنْدَ الشَّرْطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>