(هُوَ تَفْسِيرُ الشَّرْطِ التَّعْلِيقِيِّ لَا الشَّرْطِ الْحَقِيقِيِّ كَالشَّهَادَةِ لِلنِّكَاحِ وَالْعَقْلِ لِلتَّصَرُّفَاتِ وَنَحْوِهِمَا) كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَطَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ لَهَا فَالشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ. أَمَّا الشَّرْطُ الْحَقِيقِيُّ، فَلَا يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ كَالْعَقْلِ وَالْوُضُوءِ وَغَيْرِهِمَا فَكَوْنُ الْإِحْصَانِ مُتَقَدِّمًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
(وَهَذَا الْإِشْكَالُ اخْتَلَجَ فِي خَاطِرِي. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الشَّرْطَ إمَّا تَعْلِيقِيٌّ وَإِمَّا حَقِيقِيٌّ وَالْحَقِيقِيُّ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعِلَّةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَقَطْعِ حَبْلِ الْقِنْدِيلِ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ) وَالْعَقْلِ لِلتَّصَرُّفَاتِ، فَأَمَّا مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ أَقْوَى مِمَّا هُوَ مُتَقَدِّمٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُقَارِنُ الشَّرْطَ الَّذِي هُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي مَعْنَى
ــ
[التلويح]
الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حَالَ نُزُولِ الْجَزَاءِ الْمُفْتَقِرِ إلَى الْمِلْكِ وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ وَجْهِ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الشَّرْطَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي وُجُودِ الْجَزَاءِ، وَفِي أَحَدِهِمَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ، وَكَذَا فِي الْآخَرِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَلَامَةُ) هِيَ عَلَى مُقْتَضَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا تَعَلَّقَ بِالشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ فِيهِ، وَلَا تَوَقُّفٍ لَهُ عَلَيْهِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيُبَايِنُ الشَّرْطَ وَالسَّبَبَ وَالْعِلَّةَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَا يَكُونُ عَلَمًا عَلَى الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبٌ وَلَا وُجُودٌ، إلَّا أَنَّهُمْ مَثَّلُوا فِيهِ بِالْإِحْصَانِ مَعَ أَنَّ وُجُوبَ الرَّجْمِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ شَرْطًا فِيهِ مَعْنَى الْعَلَامَةِ وَبَعْضُهُمْ شَرْطًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِتَوَقُّفِ وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا تَقَدُّمُهُ عَلَى وُجُودِ الزِّنَا، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ، فَإِنَّ تَأَخُّرَ الشَّرْطِ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَتَقَدَّمُهَا كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَشُهُودِ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْكَشْفِ، وَهُوَ حَاصِلُ الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ لُزُومَ التَّأَخُّرِ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّرْطِ التَّعْلِيقِيِّ، وَأَمَّا الْحَقِيقِيُّ أَعْنِي مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ عَقْلًا، أَوْ شَرْعًا، فَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى صُورَةِ الْعِلَّةِ كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَشُهُودِ النِّكَاحِ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ كَالْحَفْرِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ وُجُودِ ثِقْلِ زَيْدٍ وَقَطْعِ الْحَبْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ وُجُودِ ثِقْلِ الْقِنْدِيلِ، وَالْمُتَأَخِّرُ لِكَوْنِهِ أَقْوَى بِوَاسِطَةِ اتِّصَالِهِ بِالْحُكْمِ يُسَمَّى شَرْطًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَالْمُتَقَدِّمُ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ الْحُكْمِ يُسَمَّى عَلَامَةً.
وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ إلَّا أَنَّهُ سُمِّيَ عَلَامَةً لِمُشَابَهَتِهِ الْعَلَامَةَ فِي عَدَمِ الِاتِّصَالِ بِالْحُكْمِ، ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَحَلُّ نَظَرٍ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الشَّرْطَ التَّعْلِيقَيَّ قَدْ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا، وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُ ظُهُورُهُ وَالْعِلْمُ بِهِ كَمَا فِي تَعْلِيقِ عِتْقِ الْعَبْدِ بِكَوْنِ قَيْدِهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شَرْطٍ مُتَقَدِّمٍ يُسَمَّى عَلَامَةً كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَلَا كُلُّ شَرْطٍ مُتَأَخِّرٍ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ كَشُهُودِ الْيَمِينِ عَلَى مَا سَبَقَ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute