للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِيرَاثِ فِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ كَحَفْرِ الْبِئْرِ، وَنَحْوِهِ.

(وَالشَّاهِدُ إذَا رَجَعَ) أَيْ شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالْقَتْلِ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَ هُوَ عَنْ شَهَادَتِهِ لَمْ يُحْرَمْ مِيرَاثَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ حِرْمَانَ الْإِرْثِ (جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ، وَحُقُوقٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ، وَالْعُقُوبَةُ كَالْكَفَّارَاتِ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَبِّبِ) كَحَافِرِ الْبِئْرِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْكَفَّارَاتِ (جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَالصَّبِيِّ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَاتُ عَلَى الصَّبِيِّ (لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِمَا) أَيْ فِي السَّبَبِ وَالصَّبِيِّ (لِأَنَّهَا عِنْدَهُ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا الْكَافِرِ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَاتُ عَلَى الْكَافِرِ (لِوَصْفِ الْعِبَادَةِ، وَهِيَ) أَيْ الْعِبَادَةُ (فِيهَا غَالِبَةٌ) أَيْ فِي الْكَفَّارَاتِ

ــ

[التلويح]

إنَّمَا يَصْلُحُ جِهَةً لِكَوْنِهِ جِنَايَةً عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ لِلطَّلَاقِ، وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ لِلْكَرَامَةِ، وَلِهَذَا يَدْخُلُ قُصُورٌ فِي الْجِنَايَةِ فَيَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْحُقُوقِ الدَّائِرَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ جَزَاؤُهُ عُقُوبَةً مَحْضَةً وَأَيْضًا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الظِّهَارُ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْعَوْدُ الَّذِي هُوَ إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَقْضٌ لِلْقَوْلِ الزُّورِ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَطَفَ الْعَوْدَ عَلَى الظِّهَارِ ثُمَّ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الْعَوْدِ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ إنْهَاءً لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْفِعْلِ لِتَنْتَهِيَ الْحُرْمَةُ بِهَا فَيَقَعَ الْفِعْلُ بِصِفَةِ الْحِلِّ، وَذَكَرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْمَعْنِيَّةِ أَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا تَكْفِيرُ الْمَعْصِيَةِ، وَإِذْهَابُ السَّيِّئَةِ خُصُوصًا إذَا صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا مَعَ حُكْمِهَا الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ الْمُوصِلُ إلَى الْجَنَّةِ تَصِيرُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَعْصِيَةِ فَتَصِيرُ الْمَعْصِيَةُ بِوَاسِطَةِ حُكْمِهَا سَبَبًا لِلْوُصُولِ إلَى الْجَنَّةِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ، وَغَيْرِهَا أَنَّ دَاعِيَةَ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ لَمَّا كَانَتْ قَوِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ شَهْوَةَ الْبَطْنِ أَمْرٌ مُعَوَّدٌ لِلنَّفْسِ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى زَاجِرٍ فَوْقَ مَا فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ فَصَارَ الزَّجْرُ فِيهَا أَصْلًا، وَالْعِبَادَةُ تَبَعًا فَإِنْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى الْإِفْطَارِ طَلَبًا لِلرَّاحَةِ فَتَأَمَّلَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ انْزَجَرَ لَا مَحَالَةَ وَفِي بَاقِي الْكَفَّارَاتِ بِالْعَكْسِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ، وَأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ شُرِعَتْ فِيمَا يُنْدَبُ إلَى تَحْصِيلِ مَا تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ بِالْعِلَلِ، وَهُوَ الْعَوْدُ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ شُرِعَتْ فِيمَا يَجِبُ تَحْصِيلُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ بِالشُّرُوطِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ أَبَاهُ، وَشُرِعَ الزَّاجِرُ فِيمَا يُنْدَبُ أَوْ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ) يَعْنِي أَنَّ الْعُقُوبَةَ غَالِبَةٌ فِيهِ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» فَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كَوْنِ الْعُقُوبَةِ غَالِبَةً فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَقِيلَ: وَجْهُهُ أَنَّهُ قَيَّدَ الْإِفْطَارَ بِصِفَةِ التَّعَمُّدِ الَّذِي بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>