(إلَّا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) فَإِنَّ وَصْفَ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ الظِّهَارَ (مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ، وَكَذَا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ) أَيْ وَصْفُ الْعُقُوبَةِ غَالِبَةٌ فِيهَا (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» ) ، وَلِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْخَاطِئِ، وَلِأَنَّ الْإِفْطَارَ عَمْدًا لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ ثُمَّ وَرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّ الْإِفْطَارَ عَمْدًا لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَفَّارَةُ الْفِطْرِ عُقُوبَةً مَحْضَةً فَلِدَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ قَالَ: (لَكِنَّ الصَّوْمَ لَمَّا كَانَ حَقًّا لَيْسَ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِهِ مَا دَامَ فِيهِ) فَلَا يَكُونُ الْإِفْطَارُ إبْطَالَ حَقٍّ ثَابِتٍ بَلْ هُوَ مَنْعٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَأَوْجَبْنَا الزَّاجِرَ بِالْوَصْفَيْنِ أَيْ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (عُقُوبَةٌ وُجُوبًا، وَعِبَادَةٌ أَدَاءً وَقَدْ وَجَدْنَا فِي الشَّرْعِ مَا هَذَا شَأْنُهُ) أَيْ مَا يَكُونُ عُقُوبَةً وُجُوبًا
ــ
[التلويح]
تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الْعُقُوبَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ. الثَّانِي الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ خَطَأً بِأَنْ سَبَقَ الْمَاءُ حَلْقَهُ فِي الْمَضْمَضَةِ فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي سَبَبِهَا كَمَالُ الْجِنَايَةِ لَمَا سَقَطَتْ بِالْخَطَأِ كَكَفَّارَةِ الْخَطَأِ، وَفِي كَمَالِ الْجِنَايَةِ كَمَالُ الْعُقُوبَةِ. الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِفْطَارِ عَمْدًا شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ بِوَجْهٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَامِلَةً حَتَّى كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ عُقُوبَةً مَحْضَةً إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَنْعًا عَنْ تَسْلِيمِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا إبْطَالًا لِلْحَقِّ الثَّابِتِ إذْ لَا تُتَصَوَّرُ الْجِنَايَةُ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ التَّمَامِ تَحَقَّقَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قُصُورُ مَا فِي الْجِنَايَةِ فَلَمْ يُجْعَلْ الزَّاجِرُ عُقُوبَةً مَحْضَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ مُتَقَارِبَةٌ جِدًّا.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ: أَيْ الْكَفَّارَاتُ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا) بِمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ أَجِزْيَةً لِأَفْعَالٍ يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْخَطَرِ كَالْعُقُوبَاتِ، وَعِبَادَةِ أَدَاءً بِمَعْنَى أَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَالْإِعْتَاقِ، وَالصَّدَقَةِ، وَهِيَ قُرَبٌ، وَتُؤَدَّى بِطَرِيقِ الْفَتْوَى كَالْعِبَادَاتِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْعُقُوبَاتِ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّا أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ خَاصَّةً يَعْنِي أَنَّهَا وَجَبَتْ قَصْدًا إلَى الْعُقُوبَةِ وَالزَّجْرِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهَا تَبَعٌ إذْ لَا مَعْنَى لِلزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ مَثَلًا، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ.
(قَوْلُهُ كَإِقَامَةِ الْحُدُودِ) فَإِنَّ الْحُدُودَ وَاجِبَةٌ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ، وَيُؤَدِّيهَا الْإِمَامُ عِبَادَةً لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِقَامَتِهَا، وَأَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَجِبَ الشَّيْءُ عِبَادَةً، وَقُرْبَةً، وَيَكُونَ أَدَاؤُهُ عُقُوبَةً لِلْمُكَلَّفِ، وَزَجْرًا فَلَا يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ.
(قَوْلُهُ فَتَسْقُطُ) هَذِهِ تَفْرِيعَاتٌ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ غَالِبَةٌ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ إلَّا أَنَّ تَوَسُّطَ قَوْلِهِ وَهِيَ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا عِبَادَةٌ أَدَاءً مُخْرِجٌ لِلنَّظْمِ عَنْ نِظَامِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ، وَهِيَ عُقُوبَةٌ لِلْكَفَّارَاتِ لَكِنَّا نَجْعَلُهُ لِكَفَّارَةِ الْفِطْرِ فَيَحْسُنُ النَّظْمُ وَيَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى لِلتَّفْرِيعِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ كَفَّارَةُ الْفِطْرِ تَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ تُورِثُ جِهَةَ إبَاحَةٍ فِيمَا هُوَ مَحَلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute