للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِبَادَةً أَدَاءً (كَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَلَمْ نَجِدْ عَلَى الْعَكْسِ أَيْ لَمْ نَجِدْ فِي الشَّرْعِ مَا هُوَ عُقُوبَةٌ أَدَاءً، وَعِبَادَةٌ وُجُوبًا) ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا جَوَابًا لِمَنْ يَقُولُ لِمَ يُعْكَسُ (حَتَّى تَسْقُطَ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ عُقُوبَةٌ (وَبِشُبْهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْمُنْفَرِدِ) أَيْ الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا رَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ وَقَضَى أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ شَعْبَانَ فَأَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ عَامِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فَتَسْقُطُ إذَا أَفْطَرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ مَرِضَتْ، وَكَذَا إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى وَمَا اجْتَمَعَا فِيهِ، وَالْأَوَّلُ غَالِبُ حَدِّ الْقَذْفِ، وَمَا اجْتَمَعَا فِيهِ، وَالثَّانِي غَالِبُ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَخَالِصُ حَقِّ

ــ

[التلويح]

الْجِنَايَةِ كَمَا إذَا جَامَعَ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ بَيْنَ مَحَلٍّ وَمَحَلٍّ، وَأَمَّا جِمَاعُ زَوْجَتِهِ أَوْ أَكْلُ طَعَامِهِ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي إبَاحَةِ الْإِفْطَارِ كَمَنْ قُتِلَ بِسَيْفِهِ أَوْ شُرِبَ خَمْرُهُ. الثَّانِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِشُبْهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي فَرَدَّ شَهَادَتَهُ لِتَفَرُّدِهِ أَوْ لِفِسْقِهِ فَصَامَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» ثُمَّ أَفْطَرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَلَوْ بِالْجِمَاعِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ هَاهُنَا نَافِذٌ ظَاهِرًا فَيُورِثُ شُبْهَةَ حِلِّ الْإِفْطَارِ إذْ لَوْ كَانَ نَافِذًا ظَاهِرًا، وَبَاطِنًا لَأَوْرَثَ حَقِيقَةَ الْحِلِّ، وَزَعْمُهُ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَرُدُّ شَهَادَتَهُ خَطَأً لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ شُبْهَةً كَمَا إذَا شَهِدُوا بِالْقِصَاصِ عَلَى رَجُلٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ، وَهُوَ عَالِمٌ بِكَذِبِ الشُّهُودِ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْوَلِيِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَجَهْلُ الْغَيْرِ لَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ كَمَا إذَا شَرِبَ جَمَاعَةٌ عَلَى مَائِدَةٍ، وَعَلِمَ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَفْطَرَتْ عَمْدًا حَتَّى لَزِمَهَا الْكَفَّارَةُ ثُمَّ حَاضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ مَرِضَتْ سَقَطَتْ عَنْهَا الْكَفَّارَةُ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا أَفْطَرَ ثُمَّ مَرِضَ أَمَّا الْحَيْضُ فَلِأَنَّهُ يُعْدِمُ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَلِأَنَّهُ يُزِيلُ اسْتِحْقَاقَ الصَّوْمِ فَيَتَحَقَّقُ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُ فَيَكُونُ شُبْهَةً. الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ السَّفَرَ الْمُبِيحَ فِي نَفْسِهِ يُورِثُ شُبْهَةً، وَأَمَّا إذَا أَنَشَأَ السَّفَرَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ فَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ الْحَيْضِ أَوْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ. قَوْلُهُ (وَمَا اجْتَمَعَا) أَيْ وَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبٌ حَدَّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ زَاجِرٌ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى عَامَّةِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ، وَلِغَلَبَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ حَتَّى لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، وَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْمَقْذُوفِ، وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ، وَيُفَوَّضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>