للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوْهَرُ الْمَذْكُورُ خَرَجَ إدْرَاكُهَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ إذَا أَشْرَقَتْ خَرَجَ إدْرَاكُ الْعَيْنِ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ فَالْمُرَادُ بِالْعَقْلِ هَذَا النُّورُ الْمَعْنَوِيُّ الَّذِي حَصَلَ بِإِشْرَاقِ ذَلِكَ الْجَوْهَرِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْعَقْلُ عَلَى قُوَّةٍ لِلنَّفْسِ بِهَا تَكْسِبُ الْعُلُومَ، وَهِيَ قَابِلِيَّةُ النَّفْسِ لِإِشْرَاقِ ذَلِكَ الْجَوْهَرِ، وَلَهَا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ كَمَا ذَكَرْتُ فِي الْمَتْنِ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ، وَالثَّانِي الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ، وَالثَّالِثُ الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ وَالرَّابِعُ الْعَقْلَ الْمُسْتَفَادَ، وَأَيْضًا يُطْلَقُ عَلَى بَعْضِ الْعُلُومِ فَقِيلَ: عِلْمٌ بِوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ، وَاسْتِحَالَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ، وَجَوَازِ الْجَائِزَاتِ، وَقَوْلُهُ يُبْتَدَأُ بِهِ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ لِدَرْكِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ بِدَايَةٌ، وَنِهَايَةٌ، وَكَذَا لِلْإِدْرَاكِ الْعَقْلِيِّ بِدَايَةٌ، وَنِهَايَةٌ

ــ

[التلويح]

تُكْسَبُ الْعُلُومُ) إشَارَةٌ إلَى مَعْنًى آخَرَ لِلْعَقْلِ بِاعْتِبَارِهِ يُحَصِّلُ لِلنَّفْسِ مَرَاتِبَهَا الْأَرْبَعَ فَعَلَى مَا سَبَقَ كَانَ حَاصِلُ مَعْنَاهُ حُصُولَ شَرَائِطِ الْوُصُولِ إلَى الْمَطْلُوبِ، وَانْكِشَافَ الْحُجُبِ عَنْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطَالِبِ، وَالتَّهَدِّي إلَى طَرِيقِ التَّوَصُّلِ إلَى الْمَقَاصِدِ، وَأَمَّا عَلَى هَذَا فَمَعْنَاهُ قَابِلِيَّةُ النَّفْسِ بِهَذِهِ الْمَعَانِي فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَأْنِ الْقُوَّةِ التَّأْثِيرُ وَالْعَقْلُ، وَمَعْنَى الْقَابِلِيَّةِ التَّأَثُّرُ وَالِانْفِعَالُ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهَا قُلْتُ هِيَ قُوَّةٌ بِاعْتِبَارِ تَرْتِيبِ الْمَبَادِئِ وَتَهْيِئَةِ الْمُعَدَّاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ فِيهَا وَقَابِلِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ إنَّمَا هُوَ بِالْإِلْهَامِ وَبِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ فَإِنْ قُلْتَ: الْقُوَّةُ الَّتِي بِهَا تَكْتَسِبُ النَّفْسُ الْعُلُومَ تَشْتَمِلُ مَرَاتِبَهَا الْأَرْبَعَ فَكَيْفَ تُفَسَّرُ بِقَابِلِيَّةِ الْإِشْرَاقِ الَّتِي هِيَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَعْنِي الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ قُلْتُ: الْمُرَادُ قَابِلِيَّةُ الْإِشْرَاقِ إلَى أَنْ يَكْمُلَ جَمِيعُ الْآثَارِ، وَيَحْصُلَ غَايَةُ الْمَطْلُوبِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَعَلَ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ فِي الشَّرْحِ مَرَاتِبَ قُوَّةِ النَّفْسِ وَقَابِلِيَّتَهَا لِلْإِشْرَاقِ، وَفِي الْمَتْنِ مَرَاتِبُ تَصَرُّفِ الْقَلْبِ بِوَاسِطَةِ الْعَقْلِ فِيمَا ارْتَسَمَ فِي الْحَوَاسِّ؟ قُلْتُ: حَاصِلُهُمَا وَاحِدٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ مَرَاتِبُ لِلنَّفْسِ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهَا فِي اكْتِسَابِ الْعُلُومِ، وَتَصَرُّفِهَا فِي الْمَبَادِئِ لِحُصُولِ الْمَطَالِبِ فَيُجْعَلُ تَارَةً مَرَاتِبَ النَّفْسِ، وَتَارَةً مَرَاتِبَ قُوَّتِهَا النَّظَرِيَّةِ أَيْ الَّتِي بِهَا يُتَمَكَّنُ مِنْ اكْتِسَابِ الْعُلُومِ، وَتَارَةً مَرَاتِبَ تَصَرُّفَاتِهَا فِي الْمَبَادِئِ وَمَعْنَى تَصَرُّفِ الْقَلْبِ فِيمَا ارْتَسَمَ فِي الْحَوَاسِّ أَنْ يُدْرِكَ الْغَائِبَ مِنْ الشَّاهِدِ أَيْ يَسْتَدِلُّ مِنْ الْآثَارِ وَاللَّوَازِمِ عَلَى الْمُؤَثِّرَاتِ، وَالْمَلْزُومَاتِ مِثْلَ اسْتِدْلَالِهِ مِنْ الْعَالَمِ، وَتَغَيُّرَاتِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ صَانِعًا قَدِيمًا غَنِيًّا عَمَّنْ سِوَاهُ بَرِيئًا عَنْ النَّقَائِصِ وَأَنْ يَنْتَزِعَ الْكُلِّيَّاتِ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ وَأَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ الْإِحْسَاسِ بِحَرَارَةِ هَذِهِ النَّارِ أَنَّ كُلَّ نَارٍ حَارَّةٌ، وَكَذَا فِي جَانِبِ التَّصَوُّرَاتِ مَثَلًا يَنْتَزِعُ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ الْمُكْتَنِفَةِ بِالْعَوَارِضِ الْمُشَخِّصَةِ وَاللَّوَاحِقِ الْخَارِجِيَّةِ حَقَائِقَهَا الْكُلِّيَّةَ وَأَمَّا تَحْقِيقُ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ فَهُوَ أَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ قُوَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَبْدَأُ الْإِدْرَاكِ، وَهِيَ بِاعْتِبَارِ تَأَثُّرِهَا عَمَّا فَوْقَهَا مُسْتَكْمَلَةٌ فِي ذَاتِهَا، وَتُسَمَّى عَقْلًا نَظَرِيًّا، وَالثَّانِيَةُ مَبْدَأُ الْفِعْلِ، وَهِيَ بِاعْتِبَارِ تَأْثِيرِهَا فِي الْبَدَنِ الْمَوْضُوعِ مُكَمِّلَةٌ إيَّاهُ تَأْثِيرًا اخْتِيَارِيًّا، وَتُسَمَّى عَقْلًا عَمَلِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>