للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفْسُ الْإِنْسَانِيَّةُ مِنْ الْمُفَكِّرَةِ عُلُومًا فَهَذَا بِدَايَةُ تَصَرُّفِ النَّفْسِ بِوَاسِطَةِ إشْرَاقِ الْعَقْلِ، وَلَهُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (ثُمَّ مَعْلُومَاتُ النَّفْسِ إمَّا أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا الْعَمَلُ كَمَعْرِفَةِ الصَّانِعِ تَعَالَى، وَتُسَمَّى عُلُومًا نَظَرِيَّةً وَإِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ، وَتُسَمَّى عِلْمِيَّةً فَإِذَا اُكْتُسِبَتْ الْعِلْمِيَّةُ حَرَّكَتْ الْبَدَنَ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ، وَعَمَّا هُوَ شَرٌّ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ تِلْكَ الْقُوَّةِ وَعَدَمِهَا) أَيْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا التَّحْرِيكِ عَلَى وُجُودِ تِلْكَ الْقُوَّةِ، وَهِيَ قَابِلِيَّةُ النَّفْسِ لِإِشْرَاقِ

ــ

[التلويح]

عَلَيْهَا نُورُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَتَجَاوَزُ إدْرَاكَ الْمَحْسُوسَاتِ.

(قَوْلُهُ: فَاعْلَمْ أَنَّ بِدَايَةَ دَرْكِ الْحَوَاسِّ) يَعْنِي لَمَّا ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِ الْعَقْلِ لِدَرْكِ الْحَوَاسِّ نِهَايَةً لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِدَايَةٌ وَلَمَّا ذَكَرَ لِطَرِيقِ إدْرَاكِ الْعَقْلِ بِدَايَةً لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِهَايَةٌ لِأَنَّ إدْرَاكَاتِنَا أُمُورٌ حَادِثَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَلَمَّا جَعَلَ قَوْلَهُ مِنْ حَيْثُ مُتَعَلِّقًا بِيُبْتَدَأُ، وَالضَّمِيرُ فِي إلَيْهِ عَائِدٌ إلَى حَيْثُ أَيْ طَرِيقٌ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ الْمَقَامِ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ إدْرَاكُ الْحَوَاسِّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ نِهَايَةَ دَرْكِ الْحَوَاسِّ بِدَايَةَ دَرْكِ الْعَقْلِ فَذَكَرَ أَنَّ بِدَايَةَ دَرْكِ الْحَوَاسِّ هُوَ ارْتِسَامُ الْمَحْسُوسِ فِي إحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ اللَّمْسُ أَعْنِي قُوَّةً سَارِيَةً فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ بِهَا يُدْرَكُ الْحَارُّ، وَالْبَارِدُ وَالرَّطْبُ، وَالْيَابِسُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالذَّوْقُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جُرْمِ اللِّسَانِ يُدْرَكُ بِهَا الطُّعُومُ، وَالشَّمُّ وَهُوَ قُوَّةٌ مَرْتَبَةٌ فِي زَائِدَتَيْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيِ يُدْرَكُ بِهَا الرَّوَائِحُ، وَالسَّمْعُ وَهُوَ قُوَّةٌ مَرْتَبَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى سَطْحِ بَاطِنِ الصِّمَاخِ يُدْرَكُ بِهَا الْأَصْوَاتُ، وَالْبَصَرُ هُوَ قُوَّةٌ مَرْتَبَةٌ فِي الْعَصْبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَتَلَاقَيَانِ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ فَيَفْتَرِقَانِ إلَى الْعَيْنَيْنِ يُدْرَكُ بِهَا الْأَلْوَانُ، وَالْأَضْوَاءُ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمُرْتَسِمَ فِيهَا هُوَ صُورَةُ الْمَحْسُوسِ لَا نَفْسُهُ فَإِنَّ الْمَحْسُوسَ هُوَ هَذَا اللَّوْنُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ مَثَلًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُرْتَسِمٍ فِي الْبَاصِرَةِ بَلْ صُورَتُهُ كَمَا أَنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ، وَالْحَاصِلُ فِي النَّفْسِ صُورَتُهُ، وَمَعْنَى مَعْلُومِيَّتِهِ حُصُولُ صُورَتِهِ لَا حُصُولُ نَفْسِهِ، وَنِهَايَةُ دَرْكِ الْحَوَاسِّ ارْتِسَامُ الْمَحْسُوسِ فِي الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَيْضًا خَمْسٌ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي التَّجْوِيفِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ، وَمَبَادِئِ عَصَبِ الْحِسِّ يَجْتَمِعُ فِيهَا صُوَرُ جَمِيعِ الْمَحْسُوسَاتِ فَيُدْرِكُهَا وَالْخَيَالُ هُوَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي آخِرِ التَّجْوِيفِ الْمُقَدَّمِ يَجْتَمِعُ فِيهَا مِثْلُ الْمَحْسُوسَاتِ، وَتَبْقَى فِيهَا بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ فَهِيَ خِزَانَتُهُ، وَالْوَهْمُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي آخِرِ التَّجْوِيفِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ لَا فِي مُؤَخَّرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِهَا يُدْرَكُ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الْغَيْرُ الْمَحْسُوسَةِ أَعْنِي الَّتِي لَمْ يَتَأَدَّ إلَيْهَا مِنْ طُرُقِ الْحَوَاسِّ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمَحْسُوسَاتِ كَعَدَاوَةِ زَيْدٍ، وَصَدَاقَةِ عَمْرٍو، وَالْحَافِظَةُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي التَّجْوِيفِ الْأَخِيرِ مِنْ الدِّمَاغِ تَحْفَظُ

<<  <  ج: ص:  >  >>