للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْجَوْهَرِ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا مَحَالَةَ آمِرَةٌ لِلْبَدَنِ مُحَرِّكَةٌ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ عِنْدَهَا، وَعَمَّا هُوَ شَرٌّ عِنْدَهَا، وَالْجَوْهَرُ الْمَذْكُورُ دَائِمُ الْإِشْرَاقِ فَإِذَا حَرَّكَتْهُ إلَى الْخَيْرِ، وَعَنْ الشَّرِّ عُلِمَ مَعْرِفَتُهَا بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْقَابِلِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِذَا لَمْ تُحَرِّكْهُ إلَى الْخَيْرِ وَعَنْ الشَّرِّ عُلِمَ عَدَمُ مَعْرِفَتِهَا بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ إذْ لَوْ كَانَتْ عَارِفَةً لَحَرَّكَتْهُ ثُمَّ عَدَمُ مَعْرِفَتِهَا لِعَدَمِ قَابِلِيَّتِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ قَابِلَةً وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ الْجَوْهَرَ دَائِمُ الْإِشْرَاقِ لَكَانَتْ عَارِفَةً فَعُلِمَ أَنَّ وُجُودَ

ــ

[التلويح]

الْمَعَانِيَ الْجُزْئِيَّةَ الَّتِي أَدْرَكَهَا الْوَهْمُ فَهِيَ خِزَانَةٌ لِلْوَهْمِ بِمَنْزِلَةِ الْخَيَالِ لِلْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُفَكِّرَةُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّجْوِيفِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا يَقَعُ التَّرْكِيبُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمَعَانِي الْمُدْرَكَةِ بِالْوَهْمِ كَإِنْسَانٍ لَهُ رَأْسَانِ، وَإِنْسَانٍ عَدِيمِ الرَّأْسِ، وَهَذَا مَعْنَى أَخْذِ الْمُدْرَكَاتِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ، وَهَذِهِ الْقُوَّةُ تَسْتَعْمِلُهَا النَّفْسُ عَلَى أَيِّ نِظَامٍ تُرِيدُ فَإِنْ اسْتَعْمَلَتْهَا بِوَاسِطَةِ الْقُوَّةِ الْوَهْمِيَّةِ وَحْدَهَا سُمِّيَتْ مُتَخَلِّيَةً، وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْهَا بِوَاسِطَةِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْوَهْمِيَّةِ سُمِّيَتْ مُفَكِّرَةً، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَحَالَّ لِلْقُوَى هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ التَّشْرِيعِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ الْآفَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ تُوجِبُ الْآفَةَ فِي فِعْلِ تِلْكَ الْقُوَّةِ وَلَفْظُ ثُمَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْقُوَى فِي الْوُجُودِ وَالْمَحَلِّ بَلْ لِتَرْتِيبِ تَصَرُّفَاتِهَا، وَأَفْعَالِهَا فَإِنَّهُ يَرْتَسِمُ أَوَّلًا صُورَةُ الْمَحْسُوسِ ثُمَّ تُخْزَنُ ثُمَّ تَرْتَسِمُ مِنْهُ الْمَعَانِي ثُمَّ تُحْفَظُ ثُمَّ يَقَعُ بَيْنَهُمَا التَّرْكِيبُ وَالتَّفْصِيلُ فَلِذَا قَالَ: ثُمَّ بَعْدَهُ الْحَافِظَةُ فَأَشَارَ بِلَفْظِ بَعْدَ إلَى أَنَّ مَحَلَّهَا بَعْدَ مَحَلِّ الْوَهْمِ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا تَمَّ هَذَا) أَيْ ارْتِسَامُ الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي وَأَخَذُ الْمُفَكِّرَةِ إيَّاهُمَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ تَنْتَزِعُ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ مِنْ الْمُفَكِّرَةِ عُلُومًا أَيْ صُوَرًا أَوْ مَعَانِيَ كُلِّيَّةً لِأَنَّهَا بِالتَّصَرُّفِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْأَشْخَاصِ الْجُزْئِيَّةِ تَكْتَسِبُ اسْتِعْدَادًا نَحْوُ قَبُولِ صُورَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مَثَلًا، وَصُورَةِ الصَّدَاقَةِ الْكُلِّيَّتَيْنِ الْمُجَرَّدَتَيْنِ عَنْ الْعَوَارِضِ الْمَادِّيَّةِ قَبُولًا عَنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ الْمُتَنَفَّسِ بِهِمَا لِمُنَاسَبَةِ مَا بَيْنَ كُلِّ كُلِّيٍّ وَجُزْئِيَّاتِهِ، وَهَذَا هُوَ تَمَامُ التَّقْرِيبِ فِي أَنَّ نِهَايَةَ دَرْكِ الْحَوَاسِّ هُوَ بِدَايَةُ إدْرَاكِ الْعَقْلِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ لِلْعَقْلِ، وَأَمَّا تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَمِمَّا لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّطْوِيلِ، وَأَنَّ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلَى حَيْثُ، وَهُوَ لَازِمُ الظَّرْفِيَّةِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَقْلَ نُورٌ يُضِيءُ بِهِ الطَّرِيقُ الَّذِي يُبْتَدَأُ بِهِ فِي الْإِدْرَاكَاتِ مِنْ جِهَةِ انْتِهَاءِ إدْرَاكِ الْحَوَاسِّ إلَى ذَلِكَ الطَّرِيقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا مَجَالَ فِيهِ لِدَرْكِ الْحَوَاسِّ، وَهُوَ طَرِيقُ إدْرَاكِ الْكُلِّيَّاتِ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْمُغَيَّبَاتِ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>