للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّالَّةُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ أَهْلًا لِمَا لَهُ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] وقَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] ، وَنَحْوِهِمَا.

(فَقَبْلَ الْوِلَادَةِ لَهُ ذِمَّةٌ مِنْ وَجْهٍ يَصْلُحُ لِيَجِبَ لَهُ الْحَقُّ لَا لِيَجِبَ عَلَيْهِ فَإِذَا وُلِدَ تَصِيرُ ذِمَّتُهُ مُطْلَقَةً لَكِنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْأَدَاءُ فَكُلُّ مَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ يَجِبُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فَلَا فَحُقُوقُ الْعِبَادِ مَا كَانَ مِنْهَا غُرْمًا، وَعَرَضًا يَجِبُ) أَيْ عَلَى الصَّبِيِّ، وَهَذَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا وُلِدَ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ وَأَدَاؤُهُ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، وَكَذَا مَا كَانَ صِلَةً تُشْبِهُ الْمُؤَنَ أَوْ الْأَعْوَاضَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ) نَظِيرُ الصِّلَةِ الَّتِي تُشْبِهُ الْمُؤَنَ (وَالزَّوْجَةِ) نَظِيرُ الصِّلَةِ الَّتِي تُشْبِهُ الْأَعْوَاضَ (لَا صِلَةً تُشْبِهُ الْأَجْزِيَةَ) أَيْ لَا يَجِبُ (فَلَا يَتَحَمَّلُ الْعَقْلَ) أَيْ لَا يَتَحَمَّلُ الصَّبِيُّ الدِّيَةَ.

(وَإِنْ

ــ

[التلويح]

وَأَمَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ عَنْ الْأُمِّ فَيَصِيرُ ذِمَّتُهُ مُطْلَقَةً لِصَيْرُورَتِهِ نَفْسًا مُسْتَقِلَّةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَصِيرُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ حَتَّى كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ عَلَى الْبَالِغِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوُجُوبِ هُوَ الْأَدَاءُ اخْتَصَّ وَاجِبَاتِهِ بِمَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ عَنْهُ فَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى تَفْصِيلِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَمَيُّزِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَمَّا لَا يَجِبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ.

(قَوْلُهُ كَنَفَقَةِ الْقُرْبِ) فَإِنَّهَا صِلَةٌ تُشْبِهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ كِفَايَةً لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَقَارِبُهُ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجِ فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْأَعْرَاضَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا وَجَبَتْ جَزَاءً لِلِاحْتِبَاسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا عِنْدَ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ صِلَةً لَا عِوَضًا مَحْضًا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَعْوَاضِ فَلِكَوْنِهَا صِلَةً تَسْقُطُ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْتِزَامٌ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَلِشَبَهِهَا بِالْأَعْوَاضِ تَصِيرُ دِينًا بِالِالْتِزَامِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا) أَيْ الصَّبِيُّ لَا يَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَ ذَا عَقْلٍ، وَتَمْيِيزٍ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَتْ صِلَةً إلَّا أَنَّهَا تُشْبِهُ جَزَاءَ التَّقْصِيرِ فِي حِفْظِ الْقَاتِلِ عَنْ فِعْلِهِ، وَالصَّبِيُّ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا إيهَامُ أَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَاقِلَةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الدِّيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْعَاقِلَةِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَاقِلَةِ.

(قَوْلُهُ فَالْعِبَادَاتُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّبِيِّ فَإِنْ قُلْتَ: مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ الْإِيمَانُ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَدَنِيٍّ، وَلَا مَالِيٍّ لِكَوْنِهِ عَمَلُ الْقَلْبِ قُلْتُ: جَعَلَهُ مِنْ الْبَدَنِيَّةِ تَغْلِيبًا أَوْ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اللِّسَانِ، وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا عَقَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفْسُ الْإِيمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ لِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ يَثْبُتُ بِأَسْبَابِهِ عَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ إذَا لَمْ يَخْلُ عَنْ فَائِدَةٍ، وَحُدُوثُ الْعَالَمِ وَهُوَ السَّبَبُ مُتَقَرِّرٌ فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا الْخِطَابُ فَإِنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ فَلَوْ أَدَّى الْإِيمَانَ بِالْإِقْرَارِ مَعَ التَّصْدِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>