كَانَ عَاقِلًا) فِي هَذَا الْكَلَامِ إبْهَامٌ (لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جَزَاءَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ عَمَّا فَعَلَ، وَلَا الْعُقُوبَةَ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعُقُوبَةُ (كَالْقِصَاصِ، وَلَا الْأَجْزِيَةَ كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَلَى مَا مَرَّ) فِي بَابِ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ.
(وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَالْعِبَادَاتُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَظَاهِرَةٌ) ؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبُ الْعَجْزِ (وَأَمَّا الْمَالِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْأَدَاءُ لَا الْمَالُ فَلَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ) فَصَارَتْ كَالْبَدَنِيَّةِ (وَلَا الْعُقُوبَاتُ كَالْحُدُودِ وَلَا عِبَادَةٌ فِيهَا مُؤْنَةٌ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِرُجْحَانِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَيَجِبُ عِنْدَهُمَا اجْتِزَاءً) أَيْ اكْتِفَاءً (بِالْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ، وَمَا كَانَ مُؤْنَةً مَحْضَةً كَالْعُشْرِ، وَالْخَرَاجِ يَجِبُ، وَعَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ أَنَّ مَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ يَجِبُ، وَمَا لَا
ــ
[التلويح]
وَقَعَ فَرْضًا لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّفَلَ أَصْلًا، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّ الصِّبَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي سُقُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِعُذْرِ النَّوْمِ، وَالْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ نَفْسِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ، وَالصِّبَا لَا يُنَافِيهِ فَيَبْقَى نَفْسُ الْوُجُوبِ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ، وَهُوَ يَأْبَاهُ بَعْدَ مَا عَرَضَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهُ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ، وَإِنْ عَقَلَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْأَدَاءُ لَكِنْ إذَا أَدَّى يَكُونُ الْإِيمَانُ الْمُؤَدَّى فَرْضًا لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ إنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحُكْمِ فَقَطْ، وَإِلَّا فَالسَّبَبُ وَالْمَحَلُّ قَائِمٌ فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَعُ فَرْضًا.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَالِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْأَدَاءُ) يَعْنِي أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا هُوَ الْأَدَاءُ لِيَظْهَرَ الْمُطِيعُ عَنْ الْعَاصِي لَا الْمَالُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ الْأَدَاءَ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ أَدَاءِ الْبَعْضِ خِلَافُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِمَعْرِفَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْبَعْضِ خِلَافُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَى هَذِهِ الْإِجَابَةُ إلَى مَا قِيلَ: إنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ هُوَ الْأَدَاءُ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ الِائْتِمَارَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَالْمَقْصُودُ الِابْتِلَاءُ، وَإِلْزَامُ الْحُجَّةِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي الْمَالِيَّةِ كَمَا إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ فِي النِّيَابَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ فَيَصْلُحُ عِبَادَةً بِخِلَافِ النِّيَابَةِ الْجَبْرِيَّةِ كَنِيَابَةِ الْوَلِيِّ.
(قَوْلُهُ: مُؤْنَةٌ مَحْضَةٌ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ) يَعْنِي بِالْمَحْضِ أَنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالْقَصْدُ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي الْعُشْرِ وَالْعُقُوبَةِ فِي الْخَرَاجِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْوَصْفِ، وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ.
(قَوْلُهُ وَالْكَامِلَةُ) أَيْ الْقُدْرَةُ الْكَامِلَةُ تَكُونُ بِالْعَقْلِ الْكَامِلِ أَيْ الْمَقْرُونُ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَيْسَ مُجَرَّدَ فَهْمِ الْخِطَابِ بَلْ مَعَ قُدْرَةِ الْعَمَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute