للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُخَصِّصُ كَلَامًا أَوْ غَيْرَهُ (مَجَازٌ) أَيْ: لَفْظُ الْعَامِّ مَجَازٌ فِي الْبَاقِي. (بِطَرِيقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْبَاقِي. (حَقِيقَةٌ مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ الْعَامِّ مُتَنَاوِلٌ لِلْبَاقِي يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ. (عَلَى مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الْمَجَازِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ حُجَّةٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِهِ) أَيْ: التَّخْصِيصِ (بِالْكَلَامِ أَوْ غَيْرِهِ) فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا كُلُّ عَامٍّ خُصَّ بِمُسْتَقِلٍّ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ كَلَامًا أَوْ غَيْرَهُ.

(لَكِنْ يَجِبُ هُنَاكَ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالْعَقْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَكِنَّهُ حَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْعَقْلِ عَلَى أَنَّهُ مَفْرُوغٌ عَنْهُ حَتَّى لَا نَقُولَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] وَنَظَائِرُهُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ) ، وَهَذَا فَرْقٌ تَفَرَّدْت بِذِكْرِهِ وَهُوَ وَاجِبُ الذِّكْرِ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنْ خِطَابَاتِ الشَّرْعِ الَّتِي خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِالْعَقْلِ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ كَالْخِطَابَاتِ الْوَارِدَةِ بِالْفَرَائِضِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا إجْمَاعًا مَعَ كَوْنِهَا مَخْصُوصَةً عَقْلًا، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ لَا يُورِثُ شُبْهَةً

ــ

[التلويح]

بِمَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ الْوَاضِعِ أَنَّهُ إذَا قَرَنَ اللَّفْظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ مَعْنَاهُ الْبَاقِي فَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِهَذَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَيْضًا كَذَلِكَ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّ الذَّاهِبِينَ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْبَاقِي وَالِاسْتِثْنَاءُ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ.

هَذَا وَلِنُنَبِّهكَ عَلَى فَائِدَةٍ جَلِيلَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْوَضْعَ النَّوْعِيَّ قَدْ يَكُونُ بِثُبُوتِ قَاعِدَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَكُونُ بِكَيْفِيَّةِ كَذَا فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلدَّلَالَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى مَعْنًى مَخْصُوصٍ يُفْهَمُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ تَعَيُّنِهِ لَهُ، مِثْلُ الْحُكْمِ بِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ آخِرُهُ أَلْفٌ أَوْ بَاءٌ مَفْتُوحَةٌ مَا قَبْلَهَا وَنُونٌ مَكْسُورَةٌ فَهُوَ لِفَرْدَيْنِ مِنْ مَدْلُولِ مَا أُلْحِقَ بِآخِرِهِ هَذِهِ الْعَلَامَةُ وَكُلُّ اسْمٍ غُيِّرَ إلَى نَحْوِ رِجَالٍ وَمُسْلِمِينَ وَمُسْلِمَاتٍ فَهُوَ لِجَمْعٍ مِنْ مُسَمَّيَاتِ ذَلِكَ الِاسْمِ، وَكُلُّ جَمْعٍ عُرِّفَ بِاللَّامِ فَهُوَ لِجَمِيعِ تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْضُوعَاتِ الشَّخْصِيَّةِ بِأَعْيَانِهَا، بَلْ أَكْثَرُ الْحَقَائِقِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَالْمُثَنَّى الْمَجْمُوعِ وَالْمُصَغَّرِ وَالْمَنْسُوبِ وَعَامَّةِ الْأَفْعَالِ وَالْمُشْتَقَّاتِ، وَالْمُرَكَّبَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى بِالْهَيْئَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِثُبُوتِ قَاعِدَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مُعَيَّنٍ لِلدَّلَالَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى مَعْنًى فَهُوَ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُتَعَيِّنٌ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى تَعَلُّقًا مَخْصُوصًا، وَدَالٌّ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ لَا بِوَاسِطَةِ هَذَا التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْوَاضِعِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَكَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ، وَفَهْمُهُ مِنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ بِحَالِهَا، وَمِثْلُهُ مَجَازٌ؛ لِتَجَاوُزِهِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيَّ، فَالْوَضْعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ تَعْيِينُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ

<<  <  ج: ص:  >  >>