فَإِنَّ.
(كُلَّ مَا يُوجِبُ الْعَقْلُ تَخْصِيصَهُ يُخَصُّ وَمَا لَا فَلَا. وَأَمَّا الْمَخْصُوصُ بِالْكَلَامِ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا مَعْلُومًا كَانَ الْمَخْصُوصُ كَالْمُسْتَأْمَنِ)
حَيْثُ خُصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥]
ــ
[التلويح]
بِأَنْ يُفْرَدَ اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ بِالتَّعْيِينِ أَوْ بِدَرْجٍ فِي الْقَاعِدَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَيَشْمَلُ الْوَضْعَ الشَّخْصِيَّ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّوْعَيْنِ فَلَفْظُ الْأُسُودِ فِي مِثْلِ قَوْلِنَا رَكِبْت الْأُسُودَ مِنْ حَيْثُ قُصِدَ بِهِ الشُّجْعَانُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَمِنْ حَيْثُ قُصِدَ بِهِ الْعُمُومُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَلْيُتَدَبَّرْ.
وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ فَإِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ الْبَعْضَ بَقِيَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْبَاقِي، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْبَاقِيَ كَمَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ التَّنَاوُلُ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَدَمُ إرَادَةِ الْبَعْضِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ صِفَةِ التَّنَاوُلِ لِلْبَاقِي فَيَكُونُ حَقِيقَةً مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَسَيَجِيءُ فِي فَصْلِ الْمَجَازِ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ يَكُونُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ حَيْثِيَّتَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وَضْعَيْنِ.
وَأَمَّا بِحَسَبِ وَضْعٍ وَاحِدٍ فَذَلِكَ الْمَعْنَى، إمَّا نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً أَوْ غَيْرُهُ فَيَكُونُ مَجَازًا نَعَمْ لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْعُمُومِ مَوْضُوعَةً لِلْكُلِّ، وَالْبَعْضِ بِالِاشْتِرَاكِ لَكَانَتْ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْبَاقِي مَجَازًا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لِلْكُلِّ، وَحَقِيقَةً مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لِلْبَعْضِ إلَّا أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ خَاصَّةً لَا يُقَالُ مُرَادُهُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَجَازِ أَعْنِي: إطْلَاقَ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَقِيقَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُقَابِلُ مُطْلَقَ الْمَجَازِ وَلَا إشَارَةَ إلَيْهِ فِي فَصْلِ الْمَجَازِ عَلَى مَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَّا أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا فِيهِ إذَا كَانَتْ إرَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالٍ ثَانٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِ عَدَمُ إرَادَةِ الْبَعْضِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّغْيِيرَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَ الْعَبِيدِ لِغَيْرِ سَالِمٍ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عِنْدَ عَدَمِ إخْرَاجِهِ فَكَذَا عِنْدَ إخْرَاجِهِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَقْصُورُ عَلَى الْبَعْضِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ أَيْضًا حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ بِحَسَبِ التَّنَاوُلِ، وَإِنْ أُخْرِجَ الْبَعْضُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ فَرْقِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بَيْنَ الْمُسْتَقِلِّ وَغَيْرِهِ قُلْنَا لَمَّا كَانَ بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ صِيَغٌ مَخْصُوصَةٌ مَضْبُوطَةٌ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْبَاقِي عِنْدَ انْضِمَامِهِ إلَى إحْدَى تِلْكَ الصِّيَغِ بِخِلَافِ الْمُسْتَقِلِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْصُورٍ، فَلَا يَنْضَبِطُ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِانْتِقَاضِهِ بِالصِّفَةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي تَحْقِيقِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي التَّنَاوُلِ أَنَّ الْعَامَّ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْآحَادِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الرِّجَالِ فُلَانٌ فُلَانٌ فُلَانٌ إلَى أَنْ يَسْتَوْعِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute