رَخَّصَ فِي سَفَرِ اثْنَيْنِ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ.
(وَلَا تَمَسُّكَ لَهُمْ بِنَحْوِ فِعْلِنَا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّثْنِيَةِ، وَالْجَمْعِ لَا أَنَّ الْمَثْنَى جَمْعٌ) فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِعْلُنَا صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِالْجَمْعِ، وَيَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ فَنَقُولُ فِعْلُنَا غَيْرُ مُخْتَصِّ
ــ
[التلويح]
ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ لِلِاثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمْعِ أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَتَا} [النساء: ١٧٦] أَيْ مَنْ يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ يَعْنِي الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ، وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ أَنَّ لِلْأُخْتَيْنِ حُكْمَ الْأَخَوَاتِ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ مَعَ أَنَّ قَرَابَةَ الْأُخُوَّةِ مُتَوَسِّطَةٌ لِكَوْنِهَا قَرَابَةً مُجَاوِرَةً فَيَكُونُ لِلْبِنْتَيْنِ أَيْضًا حُكْمُ الْبَنَاتِ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا قَرِيبَةٌ لِكَوْنِهَا قَرَابَةَ الْجُزْئِيَّةِ، وَأَيْضًا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١٧٦] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَظَّ الِابْنِ مَعَ الِابْنَةِ الثُّلُثَانِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَظَّ الْأُنْثَيَيْنِ أَعْنِي الْبِنْتَيْنِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا مُوهِمًا أَنَّ النَّصِيبَ يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الْعِدَّةِ نَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١] فَإِنْ قُلْت هَبْ أَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ حَظَّ الْبِنْتَيْنِ مَعَ الِابْنِ مِثْلُ حَظِّهِ مَعَ الْبِنْتِ لِكَوْنِ مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّ حَظَّهُمَا ذَلِكَ بِدُونِ الِابْنِ قُلْت مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبِنْتَ الْوَاحِدَةَ لَمَّا اسْتَحَقَّتْ الثُّلُثَ مَعَ أَخٍ لَهَا فَمَعَ أُخْتٍ لَهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
وَأَمَّا الْحَجْبُ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرْثِ إذْ الْحَاجِبُ لَا يَكُونُ إلَّا، وَارِثًا بِالْقُوَّةِ أَوْ بِالْفِعْلِ عَلَى أَنَّ الْحَجْبَ بِالْأَخَوَيْنِ قَدْ ثَبَتَ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ رَدَّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْأَخَوَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] ، وَلَيْسَ الْأَخَوَانِ إخْوَةً فِي لِسَانِ قَوْمِك فَقَالَ عُثْمَانُ نَعَمْ لَكِنْ لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ فِيمَا رَأَوْا، وَرَوَى لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي، وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ إطْلَاقَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ تَشْبِيهِ الْوَاحِدِ بِالْكَثِيرِ فِي الْعِظَمِ، وَالْخَطَرِ كَمَا يُطْلَقُ الْجَمْعُ عَلَى الْوَاحِدِ تَعْظِيمًا فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: ١٢] مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا كَثُرَ مِثْلُ هَذَا الْمَجَازِ أَعْنِي ذِكْرَ الْعُضْوِ الَّذِي لَا يَكُونُ فِي الشَّخْصِ إلَّا وَاحِدًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَى الِاثْنَيْنِ مِثْلُ قُلُوبِهِمَا، وَأَنْفُسِهِمَا، وَرُءُوسِهِمَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ اسْتِثْقَالِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّثْنِيَتَيْنِ مَعَ وُضُوحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ الِاثْنَانِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُلُوبِ الْمُيُولُ، وَالدَّوَاعِي الْمُخْتَلِفَةُ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ مَالَ قَلْبُهُ إلَى جِهَتَيْنِ أَوْ تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ ذُو قَلْبَيْنِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَجَبَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ لِلِاثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمْعِ فِي الْمَوَارِيثِ اسْتِحْقَاقًا، وَحَجْبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute