للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بصدق ما يُدعَون إِليه من الحقّ، قال الله تعالى عن فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (١).

روى ابن إسحاق عن الزهري، أنّ أبا جهل، وأبا سفيان، والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة يتسللون، يتسمّعون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو يصلي بالليل في جوف بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسًا، وكلًا لا يعلم بمكان صاحبه، فلما أصبحوا تفرّقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقالوا: لا نعود، فلو رآنا بعض السّفهاء لوقع في نفسه شيءٌ، ثم عادوا لمثل ليلتهم، فلما تفرقوا تلاقوا فتلاوموا كذلك، فلما كان في الليلة الثالثة وأصبحوا جمعتهم الطريق فتعاهدوا أن لا يعودوا، ثم إِن الأخنس بن شريق أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمَّد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها. وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. فقال الأخنس: وأنا، والذي حلفت به كذلك. ثم أتى أبا جهل فقال: ما رأيك؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشّرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إِذا تجاثينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس وتركه (٢).

كم كانت قوة التأثير بالقرآن الكريم قويّة على السامعين، فهؤلاء صناديد الكفر يتسللون ليلًا ليستمع كل واحد منهم قراءته - صلى الله عليه وسلم -، لا يملكون لأنفسهم دفعًا دون استماع القرآن يتدفق من فيِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غضَّا طريَّا.


(١) سورة النمل، آية ١٤.
(٢) سيرة ابن هشام، ١/ ٣١٥. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن الزهري، وذكره الصالحي في سبل الهدى والرشاد ٢/ ٤٧٠: وقال: أخرجه محمَّد بن يحيى الذهلي، في الزهريات عن سعيد بن المسيب، بسند صحيح.

<<  <   >  >>