ولكن غلبة الهوى والكبر على العقل، والمنافسة بالباطل أذهبت ذلك الأثر، فلا درَك لهم من الهلاك، فأبعدهم الله.
وعن المغيرة بن شعبة، قال: إِن أول يوم عرفت فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّي أمشي أنا وأبو جهل، إِذ لقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لأبي جهل: يا أبا الحكم، هلُمّ إِلى الله وإلى رسوله، أدعوك إِلى الله .. فقال أبو جهل: يا محمَّد، هل أنت منتهٍ عن سبّ آلهتنا، هل تريد إِلا أن نشهد أن قد بلّغتَ، فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حقّا ما اتّبعتك. فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقبل عليَّ فقال: والله، إِنى لأعلم أن ما يقول حقّ، ولكنّ بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم. فقالوا: ففينا الندوة. قلنا: نعم. ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم. وقالوا: فينا السقاية. فقلنا: نعم، ثم أطعموا وأطعمنا؛ حتى إِذا تحاكت الركب، قالوا: منّا نبيّ، والله لا أفعل (١).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الوليد بن المغيرة جاء إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ عليه القرآن، فكأنّه رقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عمّ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً؟ قال: لِمَ؟ قال: ليعطوكه، فإِنّك قد أتيتَ محمدًا لِتعرضَ لِمَا قِبَله. قال: قد علِمتْ قريشٌ أنّي من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنّك منكرٌ له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما منكم رجلٌ أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشّعار الجّن، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إِنّ لقوله الذي يقوله حلاوة، وإِنّ عليه لطلاوة، وإِنّه لمثمرٌ أعلاه، مُغْدق أسفله، وإِنّه ليعلو ولا يُعلى، وإِنّه ليَحْطِمُ ما تحته. قال: فدعني حتى أفكر فيه. فلمّا فكر قال: هذا سحرٌ