فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص}، قالت: فبكى والله النجاشي؛ حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى، أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشيّ:(إنّ هذا والله، والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إِليكم أبدًا، ولا أكاد).
قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص:(والله، لأنبئنهم غدًا عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم).
قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة -وكان أتقى الرجلين فينا-: (لا تفعل، فإنّ لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا). قال:(والله، لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبدٌ).
قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له:(أيها الملك، إِنهم يقولون في عيسى بن مريم قولًا عظيمًا، فأرسِلْ إِليهم فاسألهم عمّا يقولون فيه).
قالت: فأرسل إِليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثله، فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إِذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله، وما جاء به نبيّنا، كائنا في ذلك ما هو كائن.
فلما دخلوا عليه، قال لهم:(ما تقولون في عيسى بن مريم؟). فقال له جعفر بن أبي طالب:(نقول فيه الذي جاء به نبيّنا، هو عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته ألقاها إِلى مريم العذراء البتول).
قالت: فضرب النجاشيّ يده إِلى الأرض، فأخذ منها عودًا، ثم قال:(ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود). فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: (وإِن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنون- من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحبُّ أن لي دَبْرًا ذهبًا، وأنّي آذيتُ رجلًا منكم- والدَّبْر بلسان