للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحبشةِ الجبل- ردُّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله، ما أخذ الله منّي الرشوةَ حين ردَّ عليَّ مُلكي، فآخذ الرشوةَ فيه، وما أطاع الناسَ فيَّ فأطيعهم فيه).

قالت: فخرجا من عنده مقبوحين، مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار (١).

تلك قصة الهجرة إِلى الحبشة، هجرة قوم انخلعوا من دنياهم وفرّوا بدينهم، قصة قوم أرادوا لأرواحهم فسحة، يعبدون الله تعالى بعيدًا عن جبروت الجبابرة والطغاة، فلم يهنأ للجبابرة حال، ولم يهدأ لهم بال، حتى سعوا إِلى إِرجاعهم وأعدّوا للأمر عدته، وأرادوا أن ينالوا من عدل النجاشي بعرض شيءٍ من حطام الدنيا له، فوقف وقفته الصادقة مع قومٍ رأى الصدق عندهم بعد أن سمع منهم، ولم يأخذهم بما قيل عنهم دون أن يسمع منهم.

وأسلم النجاشيُّ وهو في أرض الحبشة، إِذ قاده العدلُ والإِنصاف إلى الإِيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وأنه مصدّق با جاء عيسى -عليه السلام-، قال الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (٢).


(١) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٠٢)، (٥/ ٢٩٠، ٢٩٢) عن محمد بن إِسحاق من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -. قال الهيثمي (المجمع ٦/ ٢٤، ٢٧): (رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير ابن إِسحاق، وقد صرّح بالسماع). وحسَّن إِسناده الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (٣/ ٢٦٨).
(٢) سورة المائدة، الآيات ٨٢ - ٨٦.

<<  <   >  >>