للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قيل: إِنّ هذه الآية نزلت في النجاشيّ وأصحابٍ له أسلموا معه (١)، قال الطبري: (إِنّ ذلك كان منهم؛ لأنّ منهم أهل اجتهاد في العبادة، وترهُّب في الديارات والصوامع، وأنّ منهم علماء بكتبهم وأهل تلاوة لها، فهم لا يبعدون من المؤمنين لتواضعهم للحقّ إِذا عرفوه، ولا يستكبرون عن قبوله إِذا تبيّنوه، لأنّهم أهل دين واجتهاد فيه، ونصيحة لأنفسهم في ذات الله، وليسوا كاليهود الذين قد دربوا بقتل الأنبياء والرسل، ومعاندة الله في أمره ونهيه، وتحريف تنزيله الذي أنزله في كتبه) (٢).

وقد صلّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي، ونعاه للصحابة - رضي الله عنهم - يوم موته، فعن جابر - رضي الله عنه -، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين مات النجاشيّ: "مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلّوا على أخيكم أصحمة" (٣).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إِلى المصلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّر عليه أربع تكبيرات (٤).

قال ابن كثير: (وشهود أبي هريرة - رضي الله عنه - الصلاة على النجاشيّ دليلٌ على أنّه إِنّما مات بعد فتح خيبر، في السنة التي قدم فيها بقيّة المهاجرين إِلى الحبشة مع جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -، يوم فتح خيبر) (٥).


(١) انظر: تفسير الطبرى (٥/ ٣).
(٢) التفسير (٥/ ٦).
(٣) أخرجه البخاري في المناقب، باب موت النجاشي ح (٣٨٧٧).
(٤) أخرجه البخاري في الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعًا ح (١٣٣٣). قال ابن كثير: (قال بعض العلماء: إِنّما صلّى عليه لأنّه كان يكتم إِيمانه من قومه، فلم يكن عنده يوم مات من يُصلّي عليه رحمه الله. قالوا: فالغائب إِن كان قد صُلِّي عليه ببلده، لا تُشْرع الصلاة عليه ببلد أخرى، ولهذا لم يُصلّ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في غير المدينة، لا أهل مكة ولا غيرهم، وهكذا أبو بكر وعمر وعثمان، وغيرهم من الصحابة، لم يُنقل أنّه صُلِّيَ على أحدٍ منهم في غير البلدة التي صُلِّيَ عليه فيها. والله أعلم). انظر لمزيد الفائدة: المغني لأبي قدامة (٣/ ٤٤٦).
(٥) البداية والنهاية (٤/ ١٩٣).

<<  <   >  >>