للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أطلع اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - على أمر صحيفتهم، وأنّه أرسل عليها اللأرَضَة فأكلتْ جميع مما فيها من جَوْر وقطيعة وظلم، إِلَّا ذكرُ الله عَزَّ وجَلَّ، فأخبر بذلك عمَّه، فخرج إِلى قريش وأخبرهم أنّ ابن أخيه قد قال كذا وكذا، فإِن كان كاذبًا خلَّينا بينكم وبيته، وإِن كان صادقًا رجعتُم عن قطيعتنا وظُلْمنا، قالوا: قد أنصفتَ

فأنزلوا الصحيفة، فلمّا رأوا الأمرَ كما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ازدادوا كُفرًا إِلى كفرهم، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَن معه من الشِّعب (١).

لقد بقي المسلمون ثلاث سنوات داخل الشعب، ومع ذلك الحصار الشديد أكلوا فيه أوراق الشجر، ترتفع فيه أصوات أبنائهم بالبكاء جوعًا وعطشًا، بل إِنّ سعد بن أبي وقاص بال ذات ليلة فسمع قعقعة تحته، فإِذا هي قطعة من جلد بعير، فأخذها وغسلها ثم حرقها تم سحقها؛ ثم استفّها، وشرب عليها الماء، فتقوّى بها ثلاثة أيّام (٢)، وقد ضربوا بذلك أروع الأمثلة في الثبات على الحق، والصبر على الأذى، والاعتصام بالله تعالى في الشدة،

وإِن وقوف طائفة من المشركين مع المسلمين لدليل على أن المسلمين كانوا في نظر هذه الطائفة أهلًا للمعروف ومحلًا للكرامة، لجميل أخلاقهم وصدق تعاملهم، كما أن أولئك المشركين لديهم من سلامة الفطرة واحترام أواصر القربى ما دفعهم لذلك الموقف.

ثم خرج بنو هاشم وبنو المطلب من شعبهم؛ وكان ذلك في السنة العاشرة من البعثة (٣)، وحصل الصلح برغمٍ من أبي جهل عمرو بن هشام، واتصل الخبر بالذين هم بالحبشة أنّ قريشًا أسلموا، فقدم مكةَ منهم جماعةٌ فوجدوا البلاء والشدة كما كانا،


(١) سيرة ابن هشام (١/ ٣٥٠)، الفصول لابن كثير (ص ١٠٢، ١٠٣).
(٢) ابن إسحاق، المغازي والسير ١٩٤، وانظر حلية الأولياء٣/ ٩٣.
(٣) انظر: طبقات ابن سعد ١/ ٢٠١، وفتح الباري ٧/ ١٩٢.

<<  <   >  >>