للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاستمروا بمكة إِلى أن هاجروا إِلى المدينة، إِلا السكران بن عمرو زوج سودة بنت زمعة، فإِنّه مات بعد مقدمه من الحبشة بمكة قبل الهجرة إِلى المدينة، وإِلا سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، فإِنهما احتبسا مستضعفين، وإِلا عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى، فإِنه حُبِس، فلما كان يوم بدر هرب من المشركين إِلى المسلمين (١).

ومن جملة الأخبار التي حملت بعض المهاجرين في أرض الحبشة إِلى العودة إِلى مكة ظنًّا منهم بأن أهلها قد أسلموا أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تلا على قريش يومًا سورة: {وَالنَّجْمِ} فأخذتهم روعة التنزيل، وقوة البيان، حتى إِذا بلغ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (٢)؛ سجد، فسجد المشركون مأخوذين بروعة القرآن وقوة تأثيره، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قرأ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - النجم بمكة، فسجد فيها، وسجد من معه، غير شيخ أخذ كفًّا من حصًى أو تراب، فرفعه إِلى جبهته، وقال: يكفيني هذا. فرأيتُه بعدُ قُتِل كافرًا (٣).

فظنّ الناقل لمّا رأى المشركين قد سجدوا متابعةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنهم أسلموا واصطلحوا معه، ولم يبق نزاع بينهم، فطار الخبر بذلك، وانتشر حتى بلغ مهاجرة الحبشة بها، فظنوا صحة ذلك، فأقبل منهم طائفة طامعين بذلك، وثبتت جماعة، وكلاهما محسن مصيبٌ فيما فعل.

وكان العائدون قرابة ثلاثة وثلاثين رجلًا، منهم: أبو سلمة وزوجه رضي الله عنهما (٤).


(١) الفصول لابن كثير ص ١٠٤.
(٢) سورة النجم، آية ٦٢.
(٣) أخرجه البخاري في الجمعة، باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها ح (١٠٦٧)، ومسلم في المساجد ح (٥٧٦).
(٤) انظر: البداية والنهاية (٤/ ٢٢٤، ٢٢٥).

<<  <   >  >>