للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعسكر جيش الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مر الظهران (١)، وأمر الناس بإِيقاد النيران، واستأذن العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بغلته لعله يجد أحدًا من الحطَّابة أو غيرهم حتى يُبلِّغوا أهل مكة بالسارعة إِلى لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويطلبوا الأمان، فسار على بغلة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإِذا بصوت أبي سفيان يحادث بُديل بن ورقاء قائلا: ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرا!. فقال بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، وهنا سمع العباس الصوت وعرفه. فقال: يا أبا حنظلة، فقال: لبيك يا أبا الفضل. فقال العباس: ويلك هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة الآف، فقال: واصباح قريش والله، بأبي أنت وأمي فما تأمرني هل من حيلة؟ قال: نعم اركب عجز هذه البغلة فأذهب بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستأمنه لك.

فحمله العباس وسار وكلما مر بنار، قال الناس: من هذا؟ حتى مر بنار عمر بن الخطاب فعرفه عمر فقال: أي عدو الله!! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد فأسرع العباس يركض البغلة حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه، وقبل أن يتكلم وإِذا بعمر يقول: يا رسول الله: هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعنى فلأضرب عنقه. قال العباس: يا رسول الله إِني قد أجرته، ولكن عمر كان يلح، فغضب العباس وقال: مهلًا ياعمر، فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلا يا عباس، فوالله لإِسلامك يوم أسلمت كان أحب إِلي من إِسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إِلا أني قد عرفت أن إِسلامك كان أحب إِلى رسول الله من إِسلام الخطاب لو أسلم (٢). واستأذن العباس بأن يأخذ أبا سفيان في رَحْلِه، وفي الصباح جاء به إِلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فأسلم، وأوقفه العباس بأمر


(١) بلدة الجموم اليوم.
(٢) ابن هشام، المصدر نفسه ٢/ ٤٠٣ وابن أبي شيبة ١٤/ ٤٧٥، الصالحين، سبل الهدى ٥/ ٢١٦.

<<  <   >  >>