للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتَخَصُّرُهُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ (وَقَلْبُ الْحَصَى لِيَسْجُدَ إلَّا مَرَّةً) أَيْ وَكُرِهَ قَلْبُ الْحَصَى لِيَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَقْلِبَ مَرَّةً لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَرَّةِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ» (وَعَدُّ الْآيِ) جَمْعُ آيَةٍ (وَالتَّسْبِيحُ بِالْيَدِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَفِيهِ خِلَافٌ لَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ عَدُّهُمَا بِالْقَلْبِ وَلَا بِالْيَدِ خَارِجَ الصَّلَاةِ (وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ أَوْ عَلَى دُكَّانٍ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهُ) هَذَا قَيْدٌ لِلصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ يَعْنِي يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَا قِيَامُهُ فِي الْخَارِجِ وَسُجُودُهُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ الْكَرَاهَةِ، وَكَذَا يُكْرَهُ قِيَامُهُ عَلَى دُكَّانٍ وَحْدَهُ وَالْقَوْمُ عَلَى الْأَرْضِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِلتَّشَبُّهِ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ فَكَانَ تَشَبُّهًا، وَلِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً بِالْإِمَامِ ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ التَّرَبُّعَ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ فَلِذَا كُرِهَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي جُلُوسِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَعَامَّةُ جُلُوسِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَرَبُّعًا اهـ.

وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَخَارِجَهَا لَيْسَ أَيْ التَّرَبُّعُ بِمَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ جُلَّ قُعُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ التَّرَبُّعَ، وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ السُّنَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ لِيَكُونَ تَحْرِيمًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَخَصُّرُهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ) أَقُولُ، وَكَذَا يُكْرَهُ التَّخَصُّرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ النَّهْيِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ) هَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَفُسِّرَ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَرَّةِ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّرْكَ أَوْلَى وَعَلَيْهِ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ التَّرْكَ أَحَبُّ إلَيَّ اسْتَدَلَّ فِي النِّهَايَةِ وَالْبُرْهَانِ بِمَا عَنْ جَابِرٍ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فَقَالَ وَاحِدَةً وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا خَيْرٌ لَك مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ سُودِ الْحَدَقِ» اهـ.

وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ تَسْوِيَتَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّسْوِيَةَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مَرَّةً هَلْ هِيَ رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ، وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهَا جِهَتَانِ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلسُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ كَانَتْ عَزِيمَةً وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ تَرْكَهَا أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ كَانَ تَرْكُهَا عَزِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الثَّانِي، وَذَكَرَ مَا يُرَجِّحُهُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَا أَبَا ذَرٍّ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَيْ أَبِي ذَرٍّ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» . اهـ.

(قَوْلُهُ وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحُ بِالْيَدِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَكَذَا عَدُّ السُّوَرِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَ بِالتَّسْبِيحِ وَالْآيِ احْتِرَازًا عَنْ عَدِّ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ عَدَّ النَّاسَ أَوْ مَوَاشِيَهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا أَيْ فِي الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ لَهُمَا) أَقُولُ هُوَ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ.

وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَنَفَيَاهَا أَيْ الْكَرَاهَةَ فِي رِوَايَةٍ اهـ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُمَا يُكْرَهُ كَقَوْلِ الْإِمَامِ.

(قَوْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ عَدُّهُمَا بِالْقَلْبِ) تَفْرِيعٌ بِمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدِّ بِالْيَدِ بِالْأَصَابِعِ أَوْ بِخَيْطٍ يُمْسِكُهُ أَمَّا إذَا أَحْصَى بِقَلْبِهِ أَوْ غَمَزَ بِأَنَامِلِهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَا بِالْيَدِ خَارِجَ الصَّلَاةِ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ) أَقُولُ حَكَى الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى الْقَوْمِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ) أَقُولُ كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ هَذِهِ إحْدَاهُمَا وَالثَّانِيَةُ إنَّمَا يُكْرَهُ كَيْ لَا يَشْتَبِهَ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ حَالُهُ حَتَّى إذَا كَانَ بِجَنَبَيْ الطَّاقِ عَمُودَانِ وَرَاءَهُمَا فُرْجَتَانِ يَطَّلِعُ مِنْهُمَا أَهْلُ الْجِهَتَيْنِ عَلَى حَالِهِ لَا يُكْرَهُ فَمَنْ اخْتَارَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَمَنْ اخْتَارَ الْأُولَى يُكْرَهُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا.

وَقَالَ الْكَمَالُ لَا يَخْفَى أَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ مُقَرَّرٌ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ فِي حَقِّ الْمَكَانِ حَتَّى كَانَ التَّقَدُّمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَغَايَةُ مَا هُنَا كَوْنُهُ فِي خُصُوصِ مَكَان وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ بُنِيَ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَحَارِيبُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ لَمْ تُبْنَ كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي مُحَاذَاةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ يُحَاذِي وَسْطَ الصَّفِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ إذْ قِيَامُهُ فِي غَيْرِ مُحَاذَاتِهِ مَكْرُوهٌ وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَا بِدَعَ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إنَّمَا يَخُصُّونَ الْإِمَامَ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ عَلَى مَا قِيلَ فَلَا تَشَبُّهَ اهـ.

(قَوْلُهُ لَا قِيَامُهُ فِي الْخَارِجِ وَسُجُودُهُ فِيهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْقَدَمُ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ) أَيْ قَامَةُ رَجُلٍ وَسَطٍ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) ، كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>