للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الشَّارِعِ فِيهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ نَقْضَ الْعِبَادَةِ قَصْدًا بِلَا عُذْرٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَأَنَّ النَّقْضَ لِلْإِكْمَالِ إكْمَالٌ مَعْنًى فَيَجُوزُ كَنَقْضِ الْمَسْجِدِ لِلْإِصْلَاحِ وَنَقْضِ الظُّهْرِ لِلْجُمُعَةِ وَلِلصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مَزِيَّةٌ عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا فَجَازَ نَقْضُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِإِحْرَازِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي فَرِيضَةٍ مُنْفَرِدًا (إذَا أُقِيمَتْ) أَيْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي تِلْكَ الْفَرِيضَةِ (قَطَعَهَا) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الشَّارِعِ فِيهَا (وَاقْتَدَى) بِالْإِمَامِ (إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّهَا بِمَحَلِّ الْقَطْعِ لِلْإِكْمَالِ (أَوْ سَجَدَ وَهُوَ فِي غَيْرِ رُبَاعِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْطَعْ وَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى يُتِمُّ صَلَاتَهُ فِي الثُّنَائِيِّ وَيُوجَدُ الْأَكْثَرُ فِي الثُّلَاثِيِّ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْفَرَاغِ وَحَقِيقَتُهُ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَكَذَا شُبْهَتُهُ (أَوْ فِيهِ) أَيْ فِي الرُّبَاعِيِّ (لَكِنْ ضُمَّ إلَيْهَا أُخْرَى) لِتَصِيرَ رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً وَيُحْرِزُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ بِقَطْعِهِ (وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهُ) أَيْ الرُّبَاعِيِّ (أَتَمَّ) أَيْ ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَكْثَرَ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ لِمَا مَرَّ (ثُمَّ أَتَمَّ) أَيْ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا (إلَّا فِي الْعَصْرِ) ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ (وَالشَّارِعُ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ.

(وَاخْتُلِفَ فِي سُنَنِ الظُّهْرِ) إذَا أُقِيمَتْ (وَالْجُمُعَةُ) إذَا خَطَبَ فَقِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَالْقَطْعُ هُنَا لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ.

(لَا يَخْرُجُ) أَحَدٌ (مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ (إلَّا مُقِيمُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى) أَيْ مَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدٍ أَوْ إمَامَهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ جَمَاعَةٌ يَتَفَرَّقُونَ أَوْ يَقِلُّونَ بِغَيْبَتِهِ.

وَفِي النِّهَايَةِ إنْ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ.

(وَ) إلَّا (مُصَلِّي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ مَرَّةً) يَعْنِي إنْ كَانَ صَلَّى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً فَلَا بَأْسَ فِي تَرْكِهِ ثَانِيًا.

(وَلَا يَخْرُجُ) مِنْ مَسْجِدٍ أَحَدٌ (عِنْدَ الْإِقَامَةِ فِيهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ اُتُّهِمَ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا إذْ رُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ السُّنَّةِ (إلَّا الْمُقِيمُ) أَيْ مُقِيمُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ فِي خُرُوجِهِ (وَمُصَلِّي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ مَرَّةً) فَإِنَّهُ لَهُ الْخُرُوجُ أَيْضًا لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا كَمَا سَبَقَ (لَا مُصَلِّي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ) فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِجَوَازِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهُمَا.

(خَائِفٌ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَجْرِ يَتْرُكُ سُنَّتَهُ وَيَقْتَدِي) ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

(قَوْلُهُ إذَا أُقِيمَتْ أَيْ شَرَعَ الْإِمَامُ. . . إلَخْ) حَقِيقَةُ إقَامَةِ الشَّيْءِ فِعْلُهُ فَلِذَا فَسَّرَ الْإِقَامَةَ بِالشُّرُوعِ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ يَضُمُّ الشَّارِعُ مُنْفَرِدًا ثَانِيَةً فِي الرُّبَاعِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ وَمَحِلُّ الْقَطْعِ لَوْ أُقِيمَتْ فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِ إذْ لَوْ أُقِيمَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى) أَقُولُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ إلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُخْتَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ.

(قَوْلُهُ أَوْ فِيهِ) أَيْ الرُّبَاعِيِّ لَكِنْ ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى قَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ الْكُلُّ هُنَا بِأَنَّهُ يَضُمُّ رَكْعَةً أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ الْبَتِيرِ إلَّا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنِيفَةِ عَصْرِنَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذْ لَمْ يُقَيِّدْ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ.

وَقَالَ الْكَمَالُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَعُودُ لَا مَحَالَةَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ.

وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَائِمًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوطٌ لِلتَّحَلُّلِ وَهَذَا قَطْعٌ صَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ اهـ وَاخْتُلِفَ إذَا عَادَ هَلْ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ قِيلَ نَعَمْ، وَقِيلَ يَكْفِيهِ الْأَوَّلُ ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ فَقِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ) مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ، كَذَا فِي الْبُرْهَانِ.

(قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ. . . إلَخْ) فَإِنْ خَرَجَ كُرِهَ لِلنَّهْيِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ دُخُولُ الْوَقْتِ سَوَاءٌ أَذَّنَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ مَكَثَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا.

(قَوْلُهُ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا كَمَا سَبَقَ) أَقُولُ لَا تَطَّرِدُ الْعِلَّةُ فِي الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهَا لَا يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ إقَامَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى فِيهَا يَلْزَمُهُ أَحَدُ مَحْظُورَيْنِ أَمَّا التَّنَفُّلُ بالبتيراء بِمُوَافَقَتِهِ الْإِمَامَ فِي السَّلَامِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ الْإِمَامَ بِالْإِتْمَامِ أَرْبَعًا وَيُكْرَهُ ذَلِكَ تَحْرِيمًا، وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ عَنْ بِشْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ فَسَدَتْ وَيَقْضِي أَرْبَعًا.

(قَوْلُهُ لَا مُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَالْمُرَادُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مُتَنَفِّلًا فَإِنْ مَكَثَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ كُرِهَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>