وَالْوَعِيدُ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ فَكَانَ إحْرَازُ فَضِيلَتِهَا أَوْلَى (وَمُدْرِكُ رَكْعَةً مِنْهُ) أَيْ الْفَجْرِ (صَلَّاهَا) أَيْ سُنَّتَهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ يَتَوَقَّعُ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْ فَرْضِ الْفَجْرِ صَلَّى السُّنَّةَ، وَإِنْ فَاتَتْ عَنْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى (وَلَا يَقْضِيهَا) أَيْ سُنَّةَ الْفَجْرِ (إلَّا تَبَعًا) لِلْفَرْضِ إذَا فَاتَتْ مَعَهُ وَقَضَاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ وَالْقِيَاسُ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِقَضَائِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرْضٍ فَلَا تُقْضَى عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ وَلَا تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ.
(وَفِي الظُّهْرِ يَتْرُكُهَا) أَيْ السُّنَّةَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهُ أَوْ لَا إذْ لَيْسَ لِسُنَّةِ الظُّهْرِ فَضِيلَةَ سُنَّةِ الْفَجْرِ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْعَالِمُ مَرْجِعًا لِلْفَتْوَى لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَقَضَاهَا قَبْلَ شَفْعِهِ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُمَا وَنَقَلَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْخِلَافَ عَلَى الْعَكْسِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَيْ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ يَفْضُلُ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا تَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ وَالْوَعِيدُ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ وَهَمُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ وَمُدْرِكُ رَكْعَةٍ مِنْهُ أَيْ الْفَجْرِ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ عِنْدَهُمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ أَيْ عِنْدَهُ اهـ.
وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ لَوْ كَانَ يُدْرِكُ التَّشَهُّدَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ يُصَلِّيهَا أَيْ السُّنَّةَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا وَلَا يُصَلِّيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِيَ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ أَدْرَكَ تَشَهُّدَ الْجُمُعَةِ اهـ.
قُلْت الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ يُدْرِكُهُ، وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَتَفْرِيعُ الْخِلَافِ هُنَا عَلَى خِلَافِهِمْ فِي مُدْرِكِ تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ نَصَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ الْكَمَالُ لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ فِي مُدْرِكِ أَقَلِّ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَبْنِيَ عَلَيْهَا الظُّهْرَ بَلْ قَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ يُحْرِزُ ثَوَابَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُهَا وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ جَمَاعَةً فَأَدْرَكَ رَكْعَةً لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ فِيمَنْ يَرْجُو إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فِي الْفَجْرِ لَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَتْرُكُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ اهـ.
وَمَا قِيلَ أَنَّهُ يُشْرَعُ فِيهَا أَيْ السُّنَّةِ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ ثُمَّ يَقْطَعُهَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَدْفُوعٌ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ صَلَّاهَا) لَمْ يُبَيِّنْ مَحَلَّ صَلَاتِهَا، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَكَانٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْمَكْرُوهَ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهِ فِي الصَّيْفِيِّ وَقَلْبُهُ وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصُّفُوفِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ.
(قَوْلُهُ التَّعْرِيسُ) هُوَ النُّزُولُ آخِرَ اللَّيْلِ.
(قَوْلُهُ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْضِيهَا تَبَعًا وَلَا يَقْضِيهَا مَقْصُودَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقْضِيهَا مُطْلَقًا قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَضَاهَا قَبْلَ شَفْعِهِ) أَقُولُ أَيْ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِانْفِهَامِهِ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَالْقَضَاءُ سُنَّةٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ هُنَا مَجَازٌ كَإِطْلَاقِهِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ فَسَادِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَصِيرُ بِخُرُوجِهِ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَضَاهَا بَعْدَهُمَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى غَيْرِ الْمُخْتَارِ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ.
(قَوْلُهُ وَنَقَلَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هُوَ الْأَصَحُّ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ.
وَقَالَ الْكَمَالُ يَقْضِيهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَبْلَهُمَا، وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ اهـ فَقَدْ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ الْعَكْسِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا يُفَوِّتُ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ.
وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ جَعْلُ قَوْلِهِمَا بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِينَ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَحُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ