حَضَرُوا تَقَعُ فَرْضًا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ وَالْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إمَامًا لِلرِّجَالِ (وَتَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ) أَيْ بِحُضُورِهِمْ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ.
(وَكُرِهَ يَوْمَهَا) أَيْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (بِمِصْرٍ) احْتِرَازٌ عَنْ السَّوَادِ (ظُهْرُ مَعْذُورٍ وَمَسْجُونٍ وَمُسَافِرٍ وَأَهْلِ مِصْرٍ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ بِجَمَاعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ظُهْرُ مَعْذُورٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ إذْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ صَلَّوْا أَجْزَأَهُمْ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ كَرَاهَةُ ظُهْرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
(وَ) كُرِهَ (ظُهْرُ غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ وَالْمُسَافِرِ (قَبْلَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْإِخْلَالِ (فَإِنْ نَدِمَ) وَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهَا (وَسَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (بَطَلَ ظُهْرُهُ) بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ إلَيْهَا سَوَاءٌ (أَدْرَكَهَا أَوْ لَا) ، وَقَالَا لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَنْقُضُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَتَنْقُضُهُ فَصَارَ كَالْمُتَوَجِّهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا فِي حَقِّ انْتِقَاضِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا وَلَا بِمَعْنَاهُ.
(وَمُدْرِكُهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ سُجُودِ السَّهْوِ يُتِمُّهَا) ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ.
(لَا يَسْتَحْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ ابْتِدَاءً) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِلْخُطْبَةِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا وَلَا لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً (بَلْ يَجُوزُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ) وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَسْتَخْلِفُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ، وَقَدْ قَالَ شُرَّاحُهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِانْقِضَائِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ الْخَلِيفَةِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَيْرُ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ وَالْإِمَامَةَ بَعْدَهَا مِنْ أَفْعَالِ السُّلْطَانِ كَالْقَضَاءِ فَلَمْ تَجُزْ لِغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ تَجُزْ وَتَحْقِيقُهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْقَاضِي إلَّا إذَا فَوَّضَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْقَضَاءَ بِالْإِذْنِ فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْإِذْنِ وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ بَعْدَ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ كَمَا مَلَكَ الْقَضَاءَ بِنَفْسِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِحُكْمِ الْإِذْنِ فَيَمْلِكُ بِقَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَعَبَّرَ مَشَايِخُنَا عَنْ هَذَا، وَقَالُوا مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُمْ مِثْلَهُمْ كَمَا قَدَّمَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ) أَقُولُ لَيْسَ مُطَّرِدًا بِالنَّظَرِ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ ظُهْرُ غَيْرِهِمْ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ نَدِمَ وَسَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا) أَقُولُ وَكَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا، وَكَذَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ بِالسَّعْيِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِيهَا بَلْ أَقَامَهَا بَعْدَ السَّعْيِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا فَسَعَى أَوْ كَانَ سَعْيُهُ مُقَارِنًا لِفَرَاغِهَا أَوْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ وَقْتَ الِانْفِصَالِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَا تَبْطُلُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَتَبْطُلُ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخِي وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ.
(قَوْلُهُ بَطَلَ ظُهْرُهُ بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ) أَقُولُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّعْيِ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ فَلَا تَبْطُلُ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ إذَا خَطَا خُطْوَتَيْنِ فِي الْبَيْتِ الْوَاسِعِ يَبْطُلُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ الظُّهْرَ ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَطَلَ ظُهْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الثَّانِيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِي رُكُوعِهَا لَا بَعْدَ الرَّفْعِ
(قَوْلُهُ لَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ بَدْءًا. . . إلَخْ) .
أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فُهِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَلَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِلَا إذْنٍ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَالْكَثِيرَ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سِيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ مُطْلَقًا وَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ أَيْ الزَّيْلَعِيِّ هَذَا بِمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عُزِلَ نَائِبُ الْمِصْرِ لَا يَحْتَاجُ الْخُطَبَاءُ إلَى إذْنِ الثَّانِي وَلَنَا رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا إتْحَافُ الْأَرِيبِ بِجَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا.