للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَالْفِقْهُ مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ هَلْ تَجُوزُ خَطَابَةُ النَّائِبِ بِحُضُورِ الْأَصِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ كَمَا جَازَ حُكْمُ النَّائِبِ وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ عِنْدَ حُضُورِ الْقَاضِي وَالْمُوَكِّلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ قُلْنَا لَا؛ لِأَنَّ مَدَارَهُمَا حُضُورُ الرَّأْيِ فَإِذَا وُجِدَ جَازَ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي إقَامَتِهَا (إلَّا إذَا أَذِنَ) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ لِلِاسْتِخْلَافِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ.

(بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) وَجَبَ السَّعْيُ وَكُرِهَ الْبَيْعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] ، وَقِيلَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّنَّةِ قَبْلَهَا وَمِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ بَلْ يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ لَمْ يَقُلْ وَحَرُمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِوُجُوبِ السَّعْيِ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ وَلِهَذَا أَوْرَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ الْحُرْمَةِ.

(وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ) أَيْ صُعُودِهِ إلَى الْمِنْبَرِ (حَرُمَ الصَّلَاةُ وَالْكَلَامُ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ) لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُمَا يُكْرَهَانِ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْبَيْعُ) أَقُولُ أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ) أَيْ صَحِيحٌ.

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَوْرَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. . . إلَخْ) هُوَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَنَظَرَ الْأَتْقَانِيُّ فِي إطْلَاقِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْحُرْمَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ الْأَذَانِ فَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مَا صُورَتُهُ أَقُولُ النَّظَرُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ أَيْضًا لَا تُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ، وَتَصْرِيحُ الطَّحَاوِيِّ بِالْكَرَاهَةِ لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ إذْ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْحُرْمَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا قِيلَ إنَّ السَّعْيَ مَنْدُوبٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَيُفْتَرَضُ السَّعْيُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ إثْمًا وَأَثْقَلُ وِزْرًا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ) أَيْ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ كَذَا فَسَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبُرْهَانِ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْنَى خَرَجَ أَيْ مِنْ الْمَقْصُورَةِ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ.

(قَوْلُهُ حَرُمَ الصَّلَاةُ وَالْكَلَامُ) أَقُولُ قَدْ خَالَفَ صَنِيعَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ تَصْرِيحِ الْهِدَايَةِ بِالْحُرْمَةِ فِيهِ وَلَمْ يَتَّبِعْ الْهِدَايَةَ هُنَا بَلْ عَدَلَ إلَى إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ، وَقَدْ صَرَّحْت بِالْكَرَاهَةِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ الْحُرْمَةِ هُنَاكَ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَفْظَ الْحُرْمَةِ هُنَا بَدَلَ الْكَرَاهَةِ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ مَا سِوَى التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ كَلَامٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَحْوَطُ الْإِنْصَاتُ أَيْ مُطْلَقًا اهـ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ الْكَلَامُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا اهـ قُلْت وَيُخَالِفُهُ مَا نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى الِاسْتِمَاعُ إلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالْخَتْمِ وَسَائِرِ الْخُطَبِ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ الِاسْتِمَاعُ إلَى الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْوُلَاةِ. اهـ.

قُلْتُ وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى فَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى لِتَقَدُّمِ الشُّرُوعِ عَلَى الْفَتَاوَى. اهـ. وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ حَالَ الْخُطْبَةِ لِلْإِخْلَالِ بِالنَّظْمِ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَقَالَ فِي السِّرَاجِ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ اهـ.

وَمَنْ بَعُدَ مِنْ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنْ الثَّانِي وَاخْتَارَ ابْنُ سَلَمَةَ السُّكُوتَ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى اخْتَارَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا دِرَاسَةُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرُ فِيهِ فَكَرِهَهُ الْبَعْضُ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يُصَحِّحُ الْكُتُبَ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ بِالْقَلَمِ وَلَا يَحِلُّ لِلسَّامِعِ الْكَلَامُ أَصْلًا، وَإِنْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ.

وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ اعْلَمْ أَنَّهُ تُعُورِفَ أَنَّ الْمُرَقِّيَ لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ وَأَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضْوَانِ وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَقِّيَ يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يَقُولُ انْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وَضْعِ هَذَا الْمُرَقِّي فِي كُتُبِ أَئِمَّتِنَا. اهـ.

قُلْتُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ نُطْقِ الْخَطِيبِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ.

(قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ مُقَابَلَةَ نَقْلٍ بِآخَرَ لَا يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ مُجَرَّدًا عَنْ مُرَجِّحٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ لِلْمُحِيطِ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَوْ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ مَكَانَ قَوْلِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَلَامَ يُكْرَهُ عِنْدَهُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>