مَنْ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا (وَلَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ مَالٌ) احْتِرَازٌ عَنْ قَتْلٍ وَجَبَ بِهِ مَالٌ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ الِابْنُ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ وَجَبَ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بَلْ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ (وَلَمْ يُرْتَثَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُقَالُ ارْتَثَّ الْجَرِيحُ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ رَمَقٌ وَالِارْتِثَاثُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُرْتَفَقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ أَوْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ
(سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ كَمَا عَرَفْتَ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ فَفِيهِمْ مَنْ دُمِغَ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ وَفِيهِمْ مَنْ قُتِلَ بِالْعَصَا وَقَدْ عَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْغُسْلِ (أَوْ) قَتَلَهُ (غَيْرُهُمْ بِهَا) أَيْ بِجَارِحَةٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا قَتَلَهُ غَيْرُ بَاغٍ أَوْ غَيْرُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَمُسْلِمًا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ بِجَارِحَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ شَهِيدًا
(أَوْ وُجِدَ) عَطْفٌ عَلَى قُتِلَ ظُلْمًا (جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) أَيْ مَعْرَكَةِ الْبَاغِي وَنَحْوِهِ وَاشْتَرَطَ الْجِرَاحَةَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لَا مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ (فَيُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الصَّالِحِ لِلْكَفَنِ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ فَإِنَّهَا تُنْزَعُ (وَيُزَادُ) إنْ نَقَصَ (وَيُنْقَصُ) إنْ زَادَ (لِيَتِمَّ) الْكَفَنُ (وَلَا يُغَسَّلُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) إكْرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا (وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ غُسْلِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الصَّلَاةِ (فَيُغَسَّلُ مِنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مِصْرٍ فِيمَا) أَيْ فِي مَوْضِعٍ (يَجِبُ) إذَا وُجِدَ (فِيهِ) أَيْ الْقَتِيلِ (الْقَسَامَةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ (وَلَمْ يُعْلَمُ قَاتِلُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ غُسِّلَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخُفِّفَ أَثَرُ الظُّلْمِ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَفِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْقَاتِلِ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَدِيدَةِ فَفِي رِوَايَةِ الْهِدَايَةِ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الْقَتْلِ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فَلِعَارِضِ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْقِصَاصِ فَلَا يُخْرِجُهُ هَذَا الْعَارِضُ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الذَّخِيرَةِ فَيُغَسَّلُ وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَيُغَسَّلُ وَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ يُغَسَّلْ عِنْدَنَا فَفِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ نَفْسُ الْقَتْلِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرٍّ وَلَا طَعْنٍ وَلَا دَفْعٍ مِنْ الْعَدُوِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرْتَثَّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الصِّحَاحِ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي الْإِيضَاحِ مَعْنَى الِارْتِثَاثِ هُوَ أَنَّ خَلَقَ شَهَادَتِهِ مِنْ قَوْلِك ثَوْبٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ وَجَدَ جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) لَوْ قَالَ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْجِرَاحَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرَةِ فَيَشْمَلُ الْبَاطِنَةَ الْمَعْلُومَةَ بِسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مُعْتَادِ خُرُوجِهِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْأَثَرَ غَيْرَ الْجِرَاحَةِ كَالْكَسْرِ لِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَأَنَّهُ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ (قَوْلُهُ: كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) أَيْ عِنْدَ وِجْدَانِ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ وَإِلَّا دُفِنَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ جَمِيعُ ثِيَابِهِ وَيُجَدَّدَ الْكَفَنُ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ: فَيُغَسَّلُ مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ. . . إلَخْ) قَيَّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ لَا تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ فَلَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ فَالْمُرَادُ بِالْمِصْرِ الْعُمْرَانُ وَمَا يَقْرُبُهُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ فِي الْقَتْلِ فَشَمَلَ الْقَتْلَ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا (قَوْلُهُ: فِيمَا أَيْ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ احْتِرَازٌ عَنْ الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ) أَقُولُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إيهَامٍ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إذَا وُجِدَ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ إذَا وُجِدَ فِيهَا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ بَدَلَ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ أَوْلَى مِنْ ضَمِّ الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ ضَمَّ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْمَقْتُولُ فِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَطْ اهـ قُلْتُ إذَا حُمِلَتْ الْوَاوُ عَلَى أَوْ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ انْدَفَعَ الْإِيرَادُ وَأَفَادَ الْحُكْمُ ظَاهِرًا لَا بِالْمُرَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ الدِّيَةَ وَلَا يَنْعَكِسُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ) أَيْ جُهِلَ بِالْمَرَّةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ قَاتِلُهُ وَكَانَ ظَالِمًا قُتِلَ بِمُحَدَّدٍ لَا يُغَسَّلُ وَأَشَرْت بِأَنَّ الْمُرَادَ جَهْلُ الْقَاتِلِ بِالْمَرَّةِ إلَى أَنَّهُ إذَا عُلِمَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا نَزَلَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَقُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute