فَوُجُوبُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْعَارِضِ أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَفِي الْمَتْنِ أَخَذَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقُولُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِي شُرُوحِهِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ قَاتِلُهُ عَيْنًا وَأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَا قِصَاصَ يَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَاتِلِ الْمَعْلُومِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ جَدُّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ ظُلْمًا أَيْ وَعُلِمَ قَاتِلُهُ وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ظُلْمًا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُعْتَدِيًا فَلَا يَكُونُ الْقَتْلُ ظُلْمًا وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَوَّلًا مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ فَمَعْنَاهُ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلِ قَيْدًا لِانْفِهَامِهِ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الثَّانِي قَيْدًا يُفْهَمُ مِنْ الدَّلِيلِ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ فِي الْمَآلِ وَاحِدٌ وَلَا اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ هَاهُنَا وَمَنْشَأُ تَوَهُّمِ الْمُخَالَفَةِ وَالِاخْتِلَافِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ قَبْلَ إلَّا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ بَعْدَهُ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
(أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ) فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِظُلْمٍ (أَوْ جُرْحٍ وَارْتَثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ آوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ) حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهَا فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا (أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ إلَّا لِخَوْفِ وَطْءِ الْخَيْلِ) فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ النَّقْلُ مُنَافِيًا لِلشَّهَادَةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ أَوْصَى) بِأُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَفِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْإِجْمَاعِ
(أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَقِيلَ بِكَلِمَةٍ) وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقُضُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُغَسَّلُ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلْقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَيَنَالُ شَيْئًا مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ (هَذَا) أَيْ كَوْنُ مَا ذَكَرَ فِي بَيَانِ الِارْتِثَاثِ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ (إذَا وُجِدَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْحَرْبِ وَلَوْ فِيهَا لَا) أَيْ لَوْ وُجِدَ مَا ذَكَرَ فِي الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُغَسَّلُ مَنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الطَّرِيقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ يُحْفَظُ هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ ذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا رَادًّا عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ قَالَ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ مُنْقَطِعًا وَلَا بَأْسَ فِيهِ
(قَوْلُهُ: بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ) قَالَ الْكَمَالُ كَذَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحِصَّتِهِ وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَإِنْ أَرَادَ إذْ لَمْ يَقْدِرْ لِلضَّعْفِ مَعَ حُضُورِ الْعَقْلِ فَكَوْنُهُ يَسْقُطُ بِهِ الْقَضَاءُ قَوْلُ طَائِفَةٍ وَالْمُخْتَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ أَرَادَ لِغَيْبَةِ الْعَقْلِ فَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَتَى يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْجَرِيحِ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ وَكَوْنُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ لِلضَّعْفِ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ فِيمَا إذَا قَدَرَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ عَلَى حَالِهِ فَلَا إثْمَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ) تَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْمَصْرَعِ لَيْسَ بِنَيْلِ رَاحَةٍ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ يَزِيدُهُ ضَعْفًا وَيُوجِبُ حُدُوثَ آلَامٍ لَمْ تَحْدُثْ لَوْلَا النَّقْلُ وَالْمَوْتُ يَحْصُلُ عَقِيبَ تَرَادُفِ الْآلَامِ فَيَكُونُ النَّقْلُ مُشَارِكًا لِلْجِرَاحَةِ فِي إثَارَةِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمُتْ بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ يَقِينًا فَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَالِارْتِثَاثُ فِيهِ لَيْسَ لِلرَّاحَةِ بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي هُوَ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ الْآخِرَةِ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْوَصِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُطْلَقِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصْفِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ ظَاهِرُهُ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْوَصْفِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَنَقَلَ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ كُلٍّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَوْلَيْنِ فَقَالَ وَيُطْرِدُ أَبُو يُوسُفَ الِارْتِثَاثَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَقَطْ أَوْ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ فِي وَصِيَّةِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُرْتَثًّا أَوْ مُطْلَقًا أَيْ أَوْ خَالَفَهُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُرْتَثًّا فِي الْوَصِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْأَمْوَاتِ اهـ.
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلَقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ) يَعْنِي حُكْمُهَا الدُّنْيَوِيُّ وَهُوَ عَدَمُ الْغُسْلِ أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ مَا ذَكَرَ فِي الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا) أَقُولُ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَالَ الْقِتَالِ يَكُونُ مُرْتَثًّا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ النِّهَايَةِ