للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَنَحْوِهَا)

(أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ (أَوْ ادَّهَنَ) أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ (بِزَيْتٍ أَوْ حَلَّ، وَلَوْ) كَانَا (خَالِصَيْنِ) فَإِنَّ الدُّهْنَ الْمُطَيِّبَ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهِ يُوجِبُ الدَّمَ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْخَالِصُ فَيُوجِبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

وَوَفَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِلطِّيبِ لَا لِلْعُضْوِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ رُبْعَ عُضْوٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ

(قَوْلُهُ: أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) الْحِنَّاءُ مَمْدُودٌ مُنَوَّنٌ؛ لِأَنَّهُ فِعَالٌ لَا فَعَلَاءٌ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلِفُ التَّأْنِيثِ، بَلْ الْهَمْزَةُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ وَلُزُومُ الدَّمِ فِيمَا إذَا كَانَ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً عَلَى رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ، وَكَذَا إذَا غَلَّفَ الْوَسْمَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا، وَقَدْ أَلْزَمُوا بِتَغْطِيَتِهِ بِالْحِنَّاءِ الْجَزَاءَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

وَغَلَّفَ الْوَسِمَةَ أَيْ غَلَّفَ بِهَا رَأْسَهُ لِلصُّدَاعِ فَغَطَّتْهَا وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَهُوَ لُغَةُ الْحِجَازِ شَجَرَةٌ وَرَقُهَا خِضَابٌ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْحِنَّاءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ الطِّيبِ لِخَفَاءِ كَوْنِهَا طِيبًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللِّحْيَةَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّأْسَ بِانْفِرَادِهَا مَضْمُونَةٌ وَأَنَّ الْوَاوَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ بِمَاذَا يَكُونُ الضَّمَانُ وَبَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ اهـ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ مَضْمُونَةٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ اهـ.

وَقَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ أَقُولُ، بَلْ هُوَ أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ السَّاهِي وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ اخْتَضَبَ بِالْوَسْمَةِ وَلَفْظُهُ عَلَيْهِ دَمٌ لِخِضَابِ رَأْسِهِ بِالْوَسْمَةِ لَا لِلْخِضَابِ، بَلْ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ بِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ أَعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ خِضَابِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. اهـ.

قُلْت وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هُنَا غَيْرُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا بِتَقْدِيرِهَا بِنِصْفِ صَاعٍ، بَلْ أَعَمُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمِعْرَاجِ أَعْطَى شَيْئًا فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طِيبٌ) دَلِيلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً مُسْتَلَذَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ) يَعْنِي عَلَى قَصْدِ التَّطَيُّبِ، أَمَّا لَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَهُ فِي أُذُنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ أَوْ طِيبٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهَذَا إذَا أَكَلَهُ كَمَا هُوَ، وَفِيهِ خِلَافُهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ وَطَبَخَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ، وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ فَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا يُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ.

وَقَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مِنْ الْمُخَالِطِ رَائِحَةُ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَأَحَسَّ الذَّوْقُ السَّلِيمُ بِطَعْمِهِ فِيهِ حِسًّا ظَاهِرًا فَهُوَ غَالِبٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَغْلُوبٌ وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّفْصِيلِ أَيْضًا بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ فِيهَا لِجَدِيرٍ فَيُقَالُ إنْ كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا فَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَصَدَقَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الْكَثِيرَ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْقَوْلَ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَرُّهُ وَنَحْوُهُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ، ثُمَّ قَالَ وَلَا شَيْءَ فِي أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَى الْمُتَّخَذَةِ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ وَيُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحَلْوَى الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدُ وَالْمِسْكُ فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً اهـ. كَذَا فِي الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي حُكْمِ الْمِسْكِ الْمُضَافِ إلَى الْحَلْوَى مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِهِ بِمَا يُؤْكَلُ وَطُبِخَ وَفِيمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ.

(قَوْلُهُ: بِزَيْتٍ أَوْ حَلٍّ) الْحَلُّ بِالْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ وَاحْتُرِزَ بِهِمَا عَنْ السَّمْنِ وَالشَّحْمِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالدُّهْنِ بِهِمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ التَّجْرِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَالِصُ. . . إلَخْ) أَقُولُ كَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِي فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَدَقَةٌ عِنْدَهُمَا قِيلَ قَوْلُهُ: فِي خَطْمِي الْعِرَاقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ، وَقَوْلُهُمَا فِي خَطْمِي الشَّامِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ فَلَا خِلَافَ، وَلَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَقَالُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>