أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ) خِلَافًا لَهُمَا وَلِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُونَ: يَعْتِقُ كُلُّهُ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَعْضِ هَلْ يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْ الْمَحَلِّ كُلِّهِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُ لَا يُوجِبُ بَلْ يَبْقَى الْمَحَلُّ رَقِيقًا وَلَكِنْ زَوَالُ الْمِلْكِ بِقَدْرِهِ وَعِنْدَهُمْ يُوجِبُهُ، لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ أَوْ تَجْزِيءُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَجَزَّأَ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ إعْتَاقُ الْكُلِّ أَوْ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ أَوْ يَثْبُتُ بَعْضُهُ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْأَخِيرِ يَلْزَمُ تَجْزِيءُ الْعِتْقِ فَصَارَ الْإِعْتَاقُ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالِاسْتِيلَادِ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَلَهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إمَّا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ إزَالَةُ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً لَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَلَا إزَالَةُ الرِّقِّ لِيَلْزَمَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ وَكُلُّ مَا هُوَ تَصَرُّفٌ لَا يَتَعَدَّى وِلَايَةَ الْمُتَصَرِّفِ وَوِلَايَةُ الْمُتَصَرِّفِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّ الْمَالِكِ وَوِلَايَتُهُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْمِلْكِ مُتَجَزِّئٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ وَهُوَ الْعِتْقُ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِيهِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ تَعَلَّقَ بِمُتَجَزِّئٍ وَهُوَ الْأَرْكَانُ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْجَوَابَ عَنْ دَلِيلِهِمْ إلَّا بِتَحْقِيقِ مَرَامِ الْإِمَامِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى الْإِمَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مُطَاوِعٌ لِلْإِعْتَاقِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَجْزِيءُ الْفِعْلِ وَعَدَمُ تَجْزِيءِ مُطَاوِعِهِ وَإِنْ أَرَدْت الْعُثُورَ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَرَامِ فَاسْتَمِعْ لِمَا أُلْقِيَ عَلَيْك مِنْ الْكَلَامِ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَبِيَدِهِ مَقَالِيدُ التَّحْقِيقِ: إنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا قَالُوا وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ إثْبَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مَقْدُورُ خَالِقِ الْقُوَى وَالْقَدَرِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَجَبَ أَنْ يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ، وَأَقْرَبُ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ إلَى الْحَقِيقَةِ هُنَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ بِأَنْ يَكُونَ الصَّادِرُ مِنْ الْعَبْدِ إزَالَةَ الْمِلْكِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَظِيرُهُ الْكَسْبُ وَالْخَلْقُ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْدُورُ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي إزَالَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِهَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ صُدُورَهُ عَنْ الْعَبْدِ مُحَالٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَيْهِ حَقِيقَةً فَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بَطَلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يُقَالَ إنْ أَرَدْتُمْ بِكَوْنِ الْعِتْقِ مُطَاوِعًا لِلْإِعْتَاقِ كَوْنَهُ كَذَلِكَ بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ سَلَّمْنَا لَكِنْ الْمُرَادُ هَاهُنَا لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا عَرَفْت بَلْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مُطَاوِعِ الْفِعْلِ عَنْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، كَمَا فِي كَسْرَته فَلَمْ يَنْكَسِرْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَرَدْت كَسْرَهُ فَلَمْ يَنْكَسِرْ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ كَوْنَهُ مُطَاوِعًا لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ هَاهُنَا فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إمَّا إزَالَةُ الْمِلْكِ أَوْ مَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ تَجْزِيءَ إزَالَةِ الْمِلْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِيءَ الْعِتْقِ بَلْ تَجْزِيءَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْبَعْضَ زَالَ بَعْضُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَبَقِيَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا عَقَّبَهَا بِالْمَسْأَلَةِ.
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْدُورُ اللَّهِ تَعَالَى) يُوهِمُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ مُقَارَنَةِ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِنَا بِمُقَارَنَتِهَا لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute