للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي تَلِيهَا، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ الْفَائِضِ عَلَيَّ مِنْ أَنْوَارِ التَّوْفِيقِ اضْمَحَلَّ مَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إنَّ أَكْثَرَ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَجَزِّئَ عِنْدَهُ الْإِعْتَاقُ لَا الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا كَانَ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا قَوْلٌ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إذْ يُوجَدُ الْإِعْتَاقُ فِي النِّصْفِ وَيَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الضَّمَانِ أَوْ السِّعَايَةِ وَإِنَّهُ قَوْلٌ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَهُوَ تَفْسِيرُ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ.

وَمَا قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي الْهِدَايَةِ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْإِعْتَاقِ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فَيَظْهَرُ قُوَّةُ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَوَجْهُ الِاضْمِحْلَالِ يَظْهَرُ مِنْ التَّأَمُّلِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ إذَا تَجَزَّأَ الْإِعْتَاقُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْمِلْكِ احْتَبَسَ مَالِيَّةَ بَعْضِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ (وَسَعَى) لِمَوْلَاهُ (فِي) قِيمَةِ (الْبَاقِي) مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ (فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ وَلَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا لَا رَقَبَةً، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ (بِلَا رَدٍّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ) يَعْنِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ لَا يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ، وَالْقِصَاصِ حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَفِي الْقِنَّةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ.

(أَعْتَقَ رَجُلٌ حِصَّتَهُ) مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا الْمُعْتِقَانِ (أَوْ تَضْمِينُهُ) أَيْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَضْمَنَهُ (لَوْ) كَانَ الْمُعْتِقُ (مُوسِرًا) بِأَنْ يَمْلِكَ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ فَقَطْ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، كَمَا فِي الْأَوَّلِ (وَيَرْجِعُ) الْمُعْتِقُ الضَّامِنُ (بِهِ) أَيْ بِمَا ضَمِنَ (عَلَى الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ (وَالْوَلَاءُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ (شَهِدَ كُلٌّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ) (سَعَى) الْعَبْدُ (لَهُمَا) مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا سَعَى لِلْمُعْسِرِ لَا الْمُوسِرِ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ: عِتْقُ نَصِيبِ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَعِتْقُ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا.

(عَلَّقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا) فَقَالَ: إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ (وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ) وَقَالَ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ حُرٌّ (فَمَضَى) الْغَدُ (وَجُهِلَ شَرْطُهُ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ دَخَلَ أَوْ لَا (عَتَقَ نِصْفُهُ وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) .

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سَعَى فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، قَالَ الْكَمَالُ: حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ) يَعْنِي تَبَيَّنَ كَمَالُهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا كَمُلَ فِي الْقِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الِاسْتِيلَادِ فَصَارَ مُسْتَوْلِدًا جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَثَبَتَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ ضَرُورَةً.

(قَوْلُهُ: فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ) أَيْ مُنَجَّزًا أَوْ مُضَافًا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ) وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِذَا امْتَنَعَ يُؤَجِّرُهُ جَبْرًا وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُضَمِّنُهُ) يَعْنِي إذَا أُعْتِقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لَوْ مُوسِرًا) الْمُرَادُ بِهِ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغَنِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ يُحَكَّمُ الْحَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ، وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَمْلِكَ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ) يَعْنِي فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَلْبُوسِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسُكْنَاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ) كَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَفِيقِهِ بِإِعْتَاقِ نِصْفِهِ فَأَنْكَرَ يَسْعَى لَهُمَا (قَوْلُهُ: فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا. . . إلَخْ)

قَالَ الْكَمَالُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ (قَوْلُهُ: وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سَعَى فِي كُلِّهِ) هَذَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>