للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّاكِتِ مَعَ تِلْكَ السِّتَّةِ الَّتِي يُضَمِّنُهُ إيَّاهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا الْعَبْدُ لِلْمُدَبِّرِ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْعِسَارِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ.

(قَالَ هِيَ أُمُّ وَلَدِ شَرِيكِي وَأَنْكَرَ) شَرِيكُهُ (تَخْدُمُهُ) أَيْ تَخْدُمُ الْجَارِيَةُ الشَّرِيكَ الْمُنْكِرَ (يَوْمًا وَتُوقَفُ يَوْمًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهَا فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا كَمَا كَانَتْ فَلَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي نِصْفِهَا، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَتَعْتِقُ بِالسِّعَايَةِ (لَا قِيمَةً لِأُمِّ وَلَدٍ) وَقَالَا لَهَا الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحْرَزَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا فَتَكُونُ مُقَوَّمَةً كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي هَذَا تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَاسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ دَلِيلُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ دَلِيلُ بَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ إذْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي الْآدَمِيِّ لَيْسَتْ غَيْرَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ، وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ كَالْمُدَبَّرِ وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَمُقْتَضَى الْحُرِّيَّةِ زَوَالُ التَّقَوُّمِ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ لِمُعَارِضٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ (فَلَا يَضْمَنُ غَنِيٌّ أَعْتَقَهَا) أَيْ أُمَّ وَلَدِهِ حَالَ كَوْنِهَا (مُشْتَرَكَةً) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِأَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَقَوُّمِهَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى تَقَوُّمِهَا.

(رَجُلٌ لَهُ أَعْبُدٌ) ثَلَاثَةٌ (قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِاثْنَيْنِ عِنْدَهُ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (وَدَخَلَ آخَرُ فَأَعَادَهُ) هَذَا الْكَلَامَ فَإِنْ كَانَ حَيًّا أُمِرَ بِالْبَيَانِ (وَإِنْ مَاتَ مُجْهِلًا عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ وَنِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رُبْعُ مَنْ دَخَلَ وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا فَالنِّصْفُ الَّذِي أَصَابَ الثَّابِتَ شَاعَ فِيهِ وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الَّذِي عَتَقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَغَا وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الْفَارِغَ وَهُوَ الرُّبْعُ بَقِيَ فَيَعْتِقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ رُبْعُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِيجَابَ لَمَّا أَوْجَبَ عِتْقَ الرُّبْعِ مِنْ الثَّابِتِ أَوْجَبَهُ مِنْ الدَّاخِلِ أَيْضًا لِتَنَصُّفِهِ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا يَقُولَانِ: الْمَانِعُ مِنْ عِتْقِ النِّصْفِ يَخْتَصُّ بِالثَّابِتِ وَلَا مَانِعَ فِي الدَّاخِلِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: وَقَالَا الْعَبْدُ لِلْمُدَبِّرِ) مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَجْزِيءِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُمَا.

(قَوْلُهُ: فَتَعْتِقُ بِالسِّعَايَةِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِنَفَقَتِهَا وَكَسْبِهَا وَجِنَايَتِهَا وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا احْتِبَاسَ وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهَا تَسْتَعِينُ بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَهَا الْقِيمَةُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجَوَابَ عَنْ وَجْهِ قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ حَيًّا أُمِرَ بِالْبَيَانِ) كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ حُكْمِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ: وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَيْ بَيَّنَهُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَبَطَلَ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَإِنْ بَيَّنَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ الْخَارِجُ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي، وَيُعْمَلُ بِبَيَانِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي، فَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَأَيُّهُمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِيَ الثَّابِتَ عَتَقَ وَتَعَيَّنَ عِتْقُ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا يَبْطُلْ، فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، ثَانِيهَا: أَنْ يَمُوتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ أَيْضًا فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ لِلْعِتْقِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ أُمِرَ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي، ثَالِثُهَا: أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ اهـ.

فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا مِنْ عَدَمِ تَجْزِيءِ الْإِعْتَاقِ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ تَجَزِّيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ، وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ اهـ.

وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مِنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الَّذِي عَتَقَ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَمَا أَصَابَ بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>