للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَصِيفًا) أَيْ خَادِمًا عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَوْ أَمَةً مُعَيَّنَةً صَحَّ (أَوْ الْمُسْلِمُ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ كَاتَبَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) وَقَوْلُهُ (فَسَدَ) جَوَابٌ إذَا كَاتَبَ أَيْ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ اشْتَمَلَ عَلَى بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْمِائَةِ بِإِزَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِإِزَاءِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةٌ فَيَكُونُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَوْ أَمَةً مُعَيَّنَةً، وَالْقَوْمُ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَالصَّوَابُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى قِيمَتُهُ، وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِجَهَالَتِهَا قَدْرًا فَكَذَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَدَلِ الْبَدَلِ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ (وَعَتَقَ فِيهِمَا) أَيْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يَعْنِي فِي أَدَائِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَمُوجَبُهُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى (سَعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ الْقِيمَةُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ فَإِنَّ فِيهَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ (لَا يُنْقِصُ مِنْهُ وَيُزَادُ عَلَيْهِ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِمَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِهَا يَعْنِي أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ الْمُسَمَّى لَا تَنْقُصُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً زِيدَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِالنُّقْصَانِ، وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ فَوَجَبَ ذَلِكَ.

(وَلَوْ عَلَى مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا بَطَلَ) أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. . . إلَخْ) الْإِيرَادُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَافِي قَدْ صَدَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا: وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيْعٍ. . . إلَخْ، وَلَيْسَ ضَارًّا فَلَا يُنْسَبُ إلَى الْخَطَأِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي أَدَائِهِمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الْمَوْلَى عَلَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَائِهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : لِلْمَوْلَى فَسْخُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (الثَّانِي) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمَ الْعِتْقِ فِي بَاقِي الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ فَنَقُولُ: إنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ إذَا كَاتَبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ حَتَّى تَصِيرُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ، وَالْجِنْسِ، وَالصِّفَةِ اهـ.

وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ بِتَصَادُقِهِمَا أَوْ بِأَدَاءِ أَقْصَى مَا يَقَعُ بِهِ تَقْوِيمُ الْمُقَوِّمِينَ وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ أَصْلًا اهـ.

وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ اهـ.

فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ لِيَرُدَّ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ وَصِيفًا فَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ كَذَا عَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ يَعْنِي فَتَكُونُ بَاطِلَةً لِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ شَيْئًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ أَوْ لِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى وَلَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ إذْ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا لَا عَلَى وَجْهِ الْمُسَمَّى وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلِّلًا لَهُ: لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ فَيَعْتِقُ بِأَدَائِهِ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا لَيْسَ بِبَدَلٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ، وَالذَّخِيرَةِ وَ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ) يَعْنِي فِي بَعْضِ نُسَخِهَا مَنْسُوبًا لِزُفَرَ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُوَافَقَةِ الْهِدَايَةِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَالذَّخِيرَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَلَطٌ، وَقَدْ تَبِعَ هَذَا الْغَلَطَ فِي الِاخْتِيَارِ فَلْيَكُنْ فِي عِلْمِك.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا بَطَلَ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا وَلَا مُوجَبَ لَهَا وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ اهـ.

(قُلْت) وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ، وَنَصُّهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا لَا يُوقَفُ عَلَى مُرَادِ الْمَوْلَى فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ أَدَّى قِيمَتَهُ أَيْضًا لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صَرِيحٌ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ وَهِيَ تَنْعَقِدُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّوْبِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>