للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) أَيْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُنْعَقِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ النِّسْيَانُ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يُعْدِمُهُ الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ وَكَذَا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَمَا كَانَ.

(وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْحَقِّ) وَجَمِيعِ أَسَامِي اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَمَا سُمِّيَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ، وَالْعَلِيمِ، وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي الْكَافِي، وَالْحَقُّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ (أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا مِنْ صِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِلْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَعْتَقِدُ الْحَالِفُ تَعْظِيمَهُ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَهُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ مُعَظَّمٌ فَصَارَتْ حُرْمَةُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ حَامِلًا لِلْحَالِفِ أَوْ مَانِعًا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِهَا مُتَعَارَفًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا.

(لَا) أَيْ لَا يُقْسِمُ (بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ، وَالْقُرْآنِ، وَالْكَعْبَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» هَذَا إذَا قَالَ: وَالنَّبِيِّ، وَالْقُرْآنِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا كُفْرٌ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا.

وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، كَذَا فِي الْكَافِي.

(وَ) لَا (بِصِفَةٍ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ) لِمَا سَبَقَ أَنَّ مَبْنَى الْيَمِينِ عَلَى الْعُرْفِ. .

(وَأَمَّا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ) جَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي فَقَسَمٌ، وَجْهُ كَوْنِ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمًا أَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ وَالْبَقَاءُ صِفَةٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَاللَّامُ لِتَوْكِيدِ الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمِي، وَمَعْنَاهُ أَحْلِفُ بِبَقَاءِ اللَّهِ وَدَوَامِهِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَاَيْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ حُذِفَ نُونُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ، وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهِ (وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ) فَإِنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١] ثُمَّ قَالَ: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] ، وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ (وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ فَجُعِلَ حَلِفًا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ قَالَ بِاَللَّهِ أَوْ لَا.

(وَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ عَهْدٌ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَكُونُ قَسَمًا (وَإِنْ لَمْ يُضِفْ) إلَى اللَّهِ حَتَّى إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنْ نَوَى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَيَّ مُوجَبِ يَمِينٍ، وَالْعَهْدُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) فَإِنَّهُ قَسَمٌ يَسْتَوْجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَنِثَ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا إنْ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي اهـ.

(قَوْلُهُ: فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَ مَا كَانَ) أَيْ الْحِنْثُ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ اسْمٍ إلَخْ) رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ

كَذَا فِي الْفَتْحِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيَّنَ الْخَالِقُ مُرَادًا بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ اللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِصِفَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعَظَمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمَ صِفَاتِهِ.

وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ صِفَاتُ الذَّاتِ مُطْلَقًا يَمِينٌ كَعِزَّةِ اللَّهِ لَا صِفَاتُ الْفِعْلِ كَالرِّضَى، وَالْغَضَبِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَصِفَاتَ الْفِعْلِ لَيْسَ كَذِكْرِ الذَّاتِ، وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَشْرُوعٌ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

(قَوْلُهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ) فِيهِ ضَمُّ الْعَيْنِ وَفَتْحُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ الْمَضْمُومُ فِي الْقَسَمِ وَلَا يَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ " عَمْرٍو " الْعَلَمَ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ بَيْنَ عُمَرَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ) أَيْ لِدُخُولِ اللَّامِ وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ نُصِبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ: عَمْرَ اللَّهِ مَا فَعَلْت وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، كَمَا فِي: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) إذَا قَصَدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ يُدَيَّنُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) إنَّمَا يَنْعَقِدَا إذَا ذُكِرَ مُقْسَمٌ عَلَيْهِ لَا كَمَا ظَنَّ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ أَقْسِمُ وَنَحْوَهُ يَنْعَقِدُ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>