للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامِهِ (وَدَهْرٌ لَمْ يُدْرَ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الدَّهْرُ مُنَكَّرًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ يُقَدَّرُ وَعِنْدَهُمَا نِصْفُ سَنَةٍ كَحِينٍ وَزَمَانٍ (وَالدَّهْرُ) مُعَرَّفًا يُرَادُ بِهِ (الْأَبَدُ) عُرْفًا (وَأَيَّامٌ) حَالَ كَوْنِهَا (مُنَكَّرَةً ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُ جَمْعُ ذَكَرٍ مُنَكَّرَةٍ فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّهُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ عَشَرَةٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَيَّامِ وَقَالَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَعَلَى عَشَرَةٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَعَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَهُ وَعَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهَا وَلَهُ أَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ عَشَرَةٌ

(قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا أَعْتَقَ) إذْ لَا يَحْتَاجُ أَوَّلِيَّتُهُ إلَى شِرَاءِ عَبْدٍ آخَرَ (وَلَوْ) اشْتَرَى (عَبْدَيْنِ ثُمَّ آخَرَ فَلَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (أَصْلًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ فَرْدٌ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ سَابِقًا عَلَيْهِ وَلَا مُقَارِنًا لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ (فَإِنْ ضُمَّ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) لِوُجُودِ الْأَوَّلِيَّةِ فِيهِ (وَفِي آخِرِ عَبْدٍ) أَيْ إذَا قَالَ آخِرُ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ حُرٌّ (إنْ مَاتَ) الْحَالِفُ (بَعْدَ شِرَاءِ عَبْدٍ لَا يَعْتِقُ) لِأَنَّ الْآخَرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ شَرَى) عَبْدًا (آخَرَ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ) الْآخَرُ اتِّفَاقًا (يَوْمَ شَرَى مِنْ الْكُلِّ) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ مَاتَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ تَحَقَّقَتْ بِالْمَوْتِ فَيَعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَهُ أَنَّ كَوْنَهُ آخِرًا عِنْدَ الشِّرَاءِ يَتَبَيَّنُ بِالْمَوْتِ فَيَعْتِقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (بِكُلِّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ بَشَّرُوهُ مُتَفَرِّقِينَ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا بِالْعُرْفِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَ) عَتَقَ (الْكُلُّ إنْ بَشَّرُوهُ مَعًا) لِأَنَّهُ تَحَقَّقَتْ مِنْ الْكُلِّ (صَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ) يَعْنِي إنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَدَهْرٌ لَمْ يُدْرَ) يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْته دُهُورًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَكَيْفَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَدْرِي الدَّهْرُ قُلْنَا هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُعَرِّفُ الدَّهْرَ كَمَا فَرَّعَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَهَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ.

وَنَقَلَ التَّوَقُّفَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَقَدْ أَحْسَنَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ حَيْثُ قَالَ

حَمَلَ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ دِينُهُ ... أَنْ قَالَ لَا أَدْرِي لِتِسْعَةِ أَسْئِلَهْ

أَطْفَالُ أَهْلِ الشِّرْكِ أَيْنَ مَحَلُّهُمْ ... وَهَلْ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ مُفَضَّلَةٌ

أَمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ ثُمَّ اللَّحْمُ مِنْ ... جَلَّالَةٍ أَنَّى يَطِيبُ الْأَكْلُ لَهْ

وَالدَّهْرُ مَعَ وَقْتِ الْخِتَانِ وَكَلْبُهُمْ ... وَصْفُ الْمُعَلَّمِ أَيُّ وَقْتٍ حَصَّلَهْ

وَالْحُكْمُ مِنْ حَنَفِيٍّ إذَا مَا بَالَ مِنْ ... فَرْجَيْهِ مَعَ سُؤْرِ الْحِمَارِ اسْتَشْكَلَهْ

وَجَائِزٌ نَقْشُ الْجِدَارِ لِمَسْجِدٍ ... مِنْ وَقْفِهِ أَمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهْ

انْتَهَى كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ أُسْتَاذِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٍ الْمُحِبِّيِّ أَمْتَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ اهـ.

(قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّهْرَ فِي كَلَامِ هَذَا النَّاظِمِ مُعَرَّفٌ وَهُوَ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِيهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بَلْ فِي الْمُنَكَّرِ اهـ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَيَّامٌ حَالَ كَوْنِهَا مُنَكَّرَةً ثَلَاثَةٌ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ (قَوْلُهُ: وَالْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ عَشَرَةٌ) كَذَا السُّنُونَ وَالْجُمَعُ وَالدُّهُورُ وَالْأَزْمِنَةُ بِالتَّعْرِيفِ عَشَرَةٌ مِنْ تِلْكَ حَتَّى يَلْزَمُهُ فِي الْأَزْمِنَةِ خَمْسُ سِنِينَ لِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ فِي الْأَيَّامِ يَنْصَرِفُ إلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَفِي الشُّهُورِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَفِيمَا بَقِيَ إلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ وَهُوَ الْأَبَدُ كَذَا فِي الْفَتْحِ

(قَوْلُهُ فَإِنْ ضَمَّ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَالَ وَاحِدًا فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَحْدَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَنَفْيِ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَوَاحِدًا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَتَأْكِيدَ الْمُوجَبِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُكْمُ بِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا إذَا نَوَى مَعْنَى التَّوَحُّدِ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَإِذَا كَانَ مَجْرُورًا فَهُوَ صِفَةٌ لِلْعَبْدِ فَهُوَ كَوَحْدِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي آخِرِ عَبْدٍ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْوَسَطِ وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي وِتْرٍ لَا شَفْعٍ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَالثَّانِي وَسَطٌ فَإِذَا اشْتَرَى رَابِعًا خَرَجَ عَنْ الْوَسَطِ فَإِذَا اشْتَرَى خَامِسًا صَارَ الثَّالِثُ وَسَطًا وَهَكَذَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَيَوْمَ شَرَى مِنْ الْكُلِّ عِنْدَهُ) يَعْنِي إنْ كَانَ شِرَاؤُهُ فِي صِحَّتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ مُتَفَرِّقَيْنِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ أَيْ مُتَعَاقِبَيْنِ اهـ.

وَلَوْ كَتَبَ أَحَدُهُمْ إلَيْهِ كِتَابًا بِالْبِشَارَةِ يَعْتِقُ إلَّا إذَا نَوَى الْمُشَافَهَةَ وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا يَعْتِقُ فِي الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَيُشْتَرَطُ الصِّدْقُ فِي الْبِشَارَةِ وَفِيمَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ بِخِلَافِ مَنْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَذِبِ وَالصِّدْقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ صَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ عَنْهَا بِالْإِرْثِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ بِلَا اخْتِيَارٍ فَلَا تُتَصَوَّرُ النِّيَّةُ فِيهِ اهـ.

وَيَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَاهُ عَنْهَا عِنْدَ قَبُولِهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ لِسَبْقِ النِّيَّةِ مُخْتَارًا فِي السَّبَبِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>