للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ) لِآخَرَ (اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ) ثُمَّ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ (فَأَثْبَتَ حُرِّيَّتَهُ ضَمِنَ) الْعَبْدُ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ بَائِعُهُ) لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ ضَمِنَ سَلَامَةَ نَفْسِهِ أَوْ سَلَامَةَ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَجَعَلَ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورًا وَالتَّغْرِيرَ فِي الْمُعَاوَضَةِ سَبَبُ الضَّمَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا ظَهَرَ حُرِّيَّتُهُ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلضَّمَانِ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الْبَائِعِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ (وَرَجَعَ) أَيْ الْعَبْدُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ إذَا وَجَدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ لِتَخْلِيصِ الرَّهْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ اشْتَرِنِي أَوْ قَالَهُ وَلَمْ يَقُلْ: إنِّي عَبْدٌ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ (وَإِنْ عَلِمَ) أَيْ مَكَانَ بَائِعِهِ (فَلَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْعَبْدُ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ لَا يُجْعَلُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَالرَّهْنُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَبْسٌ بِلَا عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ بِطَرِيقِ التَّفْرِيعِ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ دَفْعُ إشْكَالٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّنَاقُضُ يُفْسِدُ الدَّعْوَى.

(لَا عِبْرَةَ لِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ) بَلْ الْعِبْرَةُ لِتَارِيخِ الْمِلْكِ (فَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ غَابَتْ عَنِّي مُنْذُ سَنَةٍ) يَعْنِي اسْتَحَقَّ رَجُلٌ دَابَّةً مِنْ يَدِ آخَرَ وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ عِنْدَ الدَّعْوَى غَابَتْ عَنِّي هَذِهِ الدَّابَّةُ مُنْذُ سَنَةٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِالدَّابَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْبَرَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْبَائِعَ عَنْ الْقِصَّةِ (فَقَالَ الْبَائِعُ لِي بَيِّنَةٌ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِي مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ) بَلْ يَقْضِي الْقَاضِي بِالدَّابَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مَا ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ بَلْ ذَكَرَ تَارِيخَ غَيْبَةِ الدَّابَّةِ فَبَقِيَتْ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ وَالْبَائِعُ ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ وَدَعْوَاهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ سَنَتَيْنِ، إلَّا أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةُ الِانْفِرَادِ كَمَا سَيَأْتِي فَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِكْرِهِ وَبَقِيَتْ الدَّعْوَى فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيَقْضِي بِالدَّابَّةِ (الْعِلْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ فَبَعْدَمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَمْنَعُ عِلْمُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ صِحَّةَ رُجُوعِهِ (فَإِذَا اسْتَوْلَدَ مَشْرِيَّةً يُعْلَمُ غَصْبُ الْبَائِعِ إيَّاهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ) يَعْنِي اشْتَرَى جَارِيَةً مَغْصُوبَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ غَاصِبٌ فَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ لِعِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِمَلَكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.

(لَا يَحْكُمُ بِسِجِلِّ الِاسْتِحْقَاقِ بِشَهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُ كَذَا بَلْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَضْمُونِهِ) يَعْنِي إذَا اسْتَحَقَّ دَابَّةً مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِبُخَارَى وَقَبَضَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ السِّجِلَّ وَوَجَدَ بَائِعُهُ بِسَمَرْقَنْدَ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَأَظْهَرَ سِجِلَّ قَاضِي بُخَارَى وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ قَاضِي بُخَارَى لَا يَجُوزُ لِقَاضِي سَمَرْقَنْدَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَيَقْضِي لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ أَنَّ قَاضِيَ بُخَارَى قَضَى بِبُخَارَى عَلَى الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالدَّابَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ هَذَا الْبَائِعِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ هَذَا لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: إنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ) يَعْنِي مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْكَمَالُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالْعِتْقِ الْعَارِضِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِمَلَكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ) قُلْت قَدْ نَقَلَ الْعِمَادِيُّ قَبْلَ هَذَا عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا صُورَتُهُ ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُشْتَرِي إنَّمَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بِإِقْرَارِ وَكِيلِهِ بِالْخُصُومَةِ أَوْ نُكُولِهِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>