يَدٍ إلَى يَدٍ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَشَرْعًا (بَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ) أَيْ مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ كَانَ (جِنْسًا بِجِنْسٍ أَوْ بِغَيْرِهِ) كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فَإِنْ تَجَانَسَا) أَيْ الثَّمَنَانِ بِأَنْ يَكُونَا ذَهَبَيْنِ أَوْ فِضَّتَيْنِ (لَزِمَ التَّسَاوِي وَالتَّقَابُضُ) لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» (قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَا يَمْشِيَانِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَامَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيِّرَةِ إذْ التَّخْيِيرُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ وَالْقِيَامُ دَلِيلُهُ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَجَانِسَانِ (جَوْدَةً وَصِنَاعَةً) إذْ لَا عِبْرَةَ لَهُمَا لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسَا (فَالتَّقَابُضُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ أَحَدَ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ (فَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ) أَيْ أَحَدَ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَعْنِي الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (جُزَافًا أَوْ بِفَضْلٍ وَتَقَابَضَا فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ (صَحَّ) لَمْ يَذْكُرْ التَّسَاوِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ الِاشْتِبَاهِ (وَلَا يَتَعَيَّنَانِ) أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ الْعِوَضَانِ فِي الصَّرْفِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ شَيْءٌ فَاسْتَقْرَضَا فَأَدَّيَا قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا أَوْ اسْتَحَقَّ كُلٌّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فَأَعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بَدَلَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ أَمْسَكَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ وَأَعْطَيَا مِثْلَهُمَا جَازَ.
(وَيَفْسُدُ) أَيْ الصَّرْفُ (بِخِيَارِ الشَّرْطِ) إذْ يَمْتَنِعُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ مَا بَقِيَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْخِيَارُ يَمْنَعُهُ (وَالْأَجَلُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ الْوَاجِبَ (وَيَصِحُّ) الصَّرْفُ (إنْ أُسْقِطَا) أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ (فِي الْمَجْلِسِ) لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ (ظَهَرَ بَعْضُ الْبَدَلِ زَيْفًا فَرُدَّ انْتَقَضَ فِيهِ فَقَطْ) أَيْ انْفَسَخَ الصَّرْفُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ فِيهِ فَقَطْ (لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتُهُ (فَلَوْ شَرَى بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الصَّرْفِ (ثَوْبًا فَسَدَ) بِأَنْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ (اشْتَرَى أَمَةً مَعَ طَوْقِ ذَهَبٍ قِيمَةُ كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً فَسَدَ فِي الْكُلِّ) أَمَّا فِي الصَّرْفِ فَلِفَوَاتِ التَّقَابُضِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِأَنَّ الْمُفْسِدَ مُقَارِنٌ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ تَجَانَسَا لَزِمَ التَّقَابُضُ) هَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ عِنْدَ بَعْضٍ وَلِبَقَائِهِ عِنْدَ آخَرِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ لِأَنَّ حَالَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جُعِلَتْ كَحَالَةِ الْعَقْدِ تَيْسِيرًا، فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِيهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَسَدَ وَلَمْ يَبْطُلْ وَتَعَيَّنَ الْمَقْبُوضُ لِلرَّدِّ فِي رِوَايَةٍ كَالْمُودَعِ وَالْمَغْصُوبِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِالْأَبْدَانِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهُ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ دُونَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، فَإِنْ قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْتُ هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَ فَهُوَ بَاطِلٌ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ فَيُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى.
(قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ شَيْءٌ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَذَا لَوْ تَصَارَفَا بِهِمَا فَهَلَكَتْ فَتَقَابَضَا غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِ مَا سُمِّيَا جَازَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ وَتَصَارَفَا وَتَقَابَضَا فَأَجَازَ الْمَالِكُ صَحَّ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا بَدَلَ مَا غَصَبَهُ وَمَلَكَ مَا اشْتَرَاهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ لِوَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى مِثْلِ النَّقْدَيْنِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَوَقَعَ عَلَى مَالَيْنِ لِعَاقِدَيْنِ فَنَفَذَ إلَّا أَنَّهُمَا نَقَدَا بِمَا غَصَبَا بَدَلًا مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا فَلَزِمَ الْإِجَازَةُ مِنْ الْمَالِكِ، وَإِذَا أَجَازَ لَا يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَ الْمَنْقُولِ لِكَوْنِهِ صَارَ قَرْضًا، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ وَنَقَدَ مِثْلَ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَدَلَانِ عَبْدًا وَجَارِيَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَجَازَ الْمَالِكُ لَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ، وَإِذَا غَصَبَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ عَبْدًا مِنْهُ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ، وَإِنْ تَعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ فَالدَّرَاهِمُ لَمْ تَتَعَيَّنْ فَلَمْ يَقَعْ بِمَالَيْنِ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ بَلْ فِي مِلْكِ اثْنَيْنِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَفْسُدُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ) أَيْ فَسَادًا مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ فَسَادٌ مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقُيِّدَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ صَحِيحَانِ فِيهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إلَّا أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْعَيْنِ أَيْ فِيمَا يَتَعَيَّنُ كَالتِّبْرِ وَالْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالرَّدِّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ لَا فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي رَدِّهِ بِالْخِيَارِ إذْ الْعَقْدُ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِثْلَ الْمَرْدُودِ أَوْ دُونَهُ فَلَا يُفِيدُ الرَّدَّ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ شَرَى بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الصَّرْفِ ثَوْبًا فَسَدَ يَعْنِي شِرَاءَ الثَّوْبِ وَبَقِيَ الصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: اشْتَرَى أَمَةً إلَى قَوْلِهِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فَسَدَ فِي الطَّوْقِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَلَهُ أَنَّ الْفَسَادَ مُقَارَنٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ