الْغِشِّ أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ (فَكَسَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْبَيْعُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هَلَكَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ وَلَمْ تَبْقَ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَبَطَلَ، وَإِذَا بَطَلَ (فَيُرَدُّ الْمَبِيعُ إنْ قَامَ) وَلَمْ يُهْلَكْ (وَإِلَّا فَمِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (أَوْ قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ قِيَمِيًّا (صَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ (بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ بِلَا تَعْيِينٍ) ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ (وَبِكَاسِدَةٍ بِهِ) أَيْ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ سِلْعَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ (اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ رَدَّ مِثْلَهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَمُوجِبُهَا رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَذَا بِالْمِثْلِ وَالثَّمَنِيَّةُ فَضْلٌ فِيهِ إذْ صِحَّةُ اسْتِقْرَاضِهِ لَمْ تَكُنْ بِاعْتِبَارِ ثَمَنِيَّةٍ بَلْ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَبِالْكَسَادِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا وَلِذَا صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ بَعْدَ الْكَسَادِ (شَرَى بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ دَانَقِ فُلُوسٍ أَوْ قِيرَاطِ فُلُوسٍ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ لَا بِالدَّانَقِ وَالدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِهَا قُلْنَا مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ أَوْ الدَّانَقِ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَأَغْنَى عَنْ الْبَيَانِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ قَدْرَ (مَا يُبَاعُ بِهَا) أَيْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ دَانَقٍ أَوْ قِيرَاطٍ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفُلُوسِ (قَالَ) مُشْتَرٍ (لِمَنْ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا) مِنْ الصَّيَارِفَةِ (أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا) أَيْ مَا ضُرِبَ مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى وَزْنِ نِصْفِ دِرْهَمٍ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ: فَكَسَدَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ حَدُّ الْكَسَادِ أَنْ لَا تَرُوجَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تَرُوجُ فِي بَلَدِ الْعَاقِدَيْنِ، كَذَا فِي الْعُيُونِ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ حَدُّ الْكَسَادِ أَنْ تَتْرُكَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَإِنْ كَانَ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لَكِنَّهُ يَتَعَيَّبُ إذَا لَمْ يَرُجْ فِي بَلَدِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَحَكَاهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ النَّوَادِرِ مَعْنَى قَوْلِهِ كَسَدَتْ أَيْ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَمَّا إنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَلَا تَرُوجُ فِي غَيْرِهِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلَكْ وَلَكِنَّهَا تَعَيَّبَتْ فَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِنِي مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ اهـ فَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ الصِّحَّةَ بِرَوَاجِهَا فِي بَلَدِ الْعَقْدِ وَالزَّيْلَعِيُّ أَطْلَقَهُ وَهُوَ يُنَاسِبُ كَلَامَ الْعُيُونِ.
(قَوْلُهُ: بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ اللَّازِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَانَ يَنْبَغِي بَيَانُهُ وَهُوَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ قِيمَتُهَا آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا تُوجَدُ فِي السُّوقِ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ وَالْبُيُوتِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
(تَنْبِيهٌ) : قُيِّدَ بِالْكَسَادِ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّهَا اهـ.
وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا الْفُلُوسَ بِالْفُلُوسِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ فَنَقَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنَّمَا شَرَطَ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ بِأَحَدِهِمَا قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ نَصًّا لَا قِيَاسًا وَالْفُلُوسُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَهُمَا صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ خِلْقِيَّةٌ وَالْفُلُوسُ صِفَةٌ عَارِضِيَّةٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالْكَسَادِ فَلَا يَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ ثَمَّةَ وَارِدًا هُنَا دَلَالَةً، وَإِنْ افْتَرَقَا لَا عَنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْفُلُوسِ وَمَا قُوبِلَ بِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ مَا قُوبِلَ بِهَا فُلُوسًا مِثْلَهَا أَوْ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ) يَعْنِي، وَقَدْ هَلَكَتْ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَهُ يَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ رُدَّ مِثْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهَا عِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْقِيمَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَوْمَ الْكَسَادِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ لِلْجَانِبَيْنِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الِانْقِطَاعِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا هَلَكَتْ ثُمَّ كَسَدَتْ أَمَّا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ شَرَى بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ دَانَقِ فُلُوسٍ أَوْ قِيرَاطِ فُلُوسٍ صَحَّ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَكَذَلِكَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ فِي الدِّرْهَمِ أَفْحَشُ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِثَمَنٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا ضُرِبَتْ لِتُقَامَ مَقَامَ الْكُسُورِ مِنْ الْفِضَّةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ فِي شِرَاءِ الْمُحَقِّرَاتِ؛ لِأَنَّ كَسْرَ الدِّرْهَمِ الْوَاضِحِ مَكْرُوهٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيُجِيزُ أَبُو يُوسُفَ الشِّرَاءَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ يَأْبَى عَنْ جَوَازِ مِثْلِ هَذَا الشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِيمَا دُونَ دِرْهَمٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الدِّرْهَمِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا اهـ.
وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا.
(قَوْلُهُ: قَالَ مُشْتَرٍ لِمَنْ أَعْطَاهُ إلَى قَوْلِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ فِي الْفِضَّةِ سَرَى إلَى الْفُلُوسِ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْفُلُوسِ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَارٍ عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ