للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُهَا إنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ (وَعَلَيْهَا غَسْلُ الصَّبِيِّ وَثِيَابِهِ وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ وَدُهْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الظِّئْرَ هِيَ الَّتِي تَتَوَلَّى هَذِهِ الْأُمُورَ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ (لَا ثَمَنِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثِّيَابِ وَالطَّعَامِ وَالدُّهْنِ (وَهُوَ) أَيْ ثَمَنُهُ (وَأَجْرُهُ) أَيْ أَجْرُ عَمَلِ الْمُرْضِعَةِ وَإِرْضَاعِهَا (عَلَى أَبِيهِ) -

وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ غَذَّتْهُ بِطَعَامٍ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا أَجْرَ لَهَا) ، فَإِنَّ أَجْرَ الْإِرْضَاعِ لَمَّا كَانَ عَلَى الْأَبِ كَانَ تَرْكُ الْإِرْضَاعِ حِرْمَانًا عَنْ الْأَجْرِ، فَإِنَّ الْإِرْضَاعَ هُوَ إشْرَابُ الصَّبِيِّ لَبَنَهَا بِإِدْخَالِ حَلَمَةِ ثَدْيِهَا فِي فَمِهِ وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، فَإِنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ فَقَوْلُهُمْ، فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ) حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حِينَئِذٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ -

(وَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ لِلْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْغِنَاءِ وَالْمَلَاهِي وَالنَّوْحِ) .

وَفِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ بِلَا شَرْطٍ يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءُ مَالٍ عَنْ طَوْعٍ بِلَا عَقْدٍ (وَعَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ وَالْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الْفُتُورُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ جَوَّزَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَلِذَا قَالَ (وَيُفْتَى الْيَوْمَ بِصِحَّتِهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى دَفْعِ الْأَجْرِ وَيُحْبَسُ بِهِ وَعَلَى الْحُلْوَةِ الْمَرْسُومَةِ وَهِيَ هَدِيَّةٌ تُهْدَى إلَى الْمُعَلِّمِينَ عَلَى رُءُوسِ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إهْدَاءُ الْحَلَاوَى -

(تَفْسُدُ) أَيْ الْإِجَارَةُ (إنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِيَحْمِلَ زَادَهُ بِبَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الزَّادِ (أَوْ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ بُرَّهُ بِبَعْضِ دَقِيقِهِ) هَذَا الْأَخِيرُ يُسَمَّى قَفِيزَ الطَّحَّانِ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَالْأَوَّلَانِ فِي مَعْنَاهُ -

(أَوْ مَنْ يَخْبِزُ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِكَذَا) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْأَصْوُعَ مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَسَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ الْمَنْفَعَةَ، وَذِكْرَ الْعَمَلِ مَعَ تَقْدِيرِ الدَّقِيقِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ الْعَمَلَ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعَ أَنَّ نَفْعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: وَجَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُهَا إنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ) أَقُولُ وَجَازَ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَهَا بِأَذِيَّةِ أَهْلِهِ لَهَا وَبِعَدَمِ جَرَيَانِ عَادَتِهَا بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا وَبِمُعَايَرَتِهَا بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ (لَا ثَمَنُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَقُولُ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَذَاكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ شَاةٍ) أَقُولُ بِأَنْ أَقَرَّتْ بِهِ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِإِرْضَاعِهَا لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ، وَإِنْ جَحَدَتْ كَوْنَهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا اسْتِحْسَانًا وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا مَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ نَفْسِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِقِيَامِهَا عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ الْإِثْبَاتِ، وَإِنْ أَقَامَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الظِّئْرِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا أَجْرَ) أَقُولُ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ بِمُصَالَحَةٍ تَبَعٌ، وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَهُوَ الْقِيَامُ بِخِدْمَةِ الْوَلَدِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقًّا تَبَعًا لِلْخِدْمَةِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ كُلُّ الْأَجْرِ بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ) لِقَوْلِ هَذَا اسْتِحْسَانٌ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ إرْضَاعَ ثَدْيِهَا، وَإِنْ شَرَطَ فَدَفَعَتْهُ لِخَادِمِهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ. . . إلَخْ) أَقُولُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا فَقُلْتُ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ إنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْت مَا تَرَى فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ هِيَ جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا أَوْ تَعَلَّقْتَهَا» . اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِيَحْمِلَ زَادَهُ بِبَعْضِهِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِبَعْضِهِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ مِنْهُ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى إذَا فَعَلَ مَا اسْتَأْجَرَ لَهُ وَهَذَا إذَا أَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْجَمِيعِ بِبَعْضِهِ، وَأَمَّا إذَا أَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْبَعْضِ بِبَعْضِهِ الْبَاقِي فَلَا أَجْرَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ شَرِيكًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اهـ.

وَيُنْظَرُ هَلْ نَسْجُ الثَّوْبِ مِثْلُهُ

(قَوْلُهُ أَوْ مَنْ يَخْبِزُ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِكَذَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ قَدَّمَ الْعَمَلَ أَوْ أَخَّرَ إذَا ذَكَرَ الْأَجْرَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ الْوَقْتَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأَجْرَ ثُمَّ الْعَمَلَ بَعْدَهُ أَوْ ذَكَرَ الْعَمَلَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأَجْرَ ثُمَّ الْوَقْتَ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>