بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ (لَا الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَهُ طَلَبُ دَيْنِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ لَا بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا إعَارَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الرَّاهِنِ (إلَّا بِالْإِذْنِ) أَيْ إذْنِ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ الْمُنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ الْمُنْتَفِعَ الرَّاهِنُ، (فَلَوْ فَعَلَ) أَيْ انْتَفَعَ بِالرَّهْنِ قَبْلَ الْإِذْنِ (تَعَدَّى وَلَمْ يَبْطُلْ) أَيْ الرَّهْنُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّعَدِّي.
(وَإِذَا طَلَبَ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ أُمِرَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا وَجْهَ لِقَبْضِ مَالِهِ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ، (إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَإِنْ أَحْضَرَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (سَلَّمَ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ) لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ بِحُضُورِ الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ، (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (سَلَّمَ) أَيْ الرَّاهِنُ (الدَّيْنَ بِلَا إحْضَارِ الرَّهْنِ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ كَذَا فِي الْكَافِي (مُرْتَهِنٌ طَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (إحْضَارَ رَهْنٍ وُضِعَ عِنْدَ عَدْلٍ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ) لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ (ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْأَمْرِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ هُوَ دَيْنٌ، وَإِذَا قَبَضَهُ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا (مُرْتَهِنٌ مَعَهُ رَهْنٌ تَمْكِينَهُ) أَيْ تَمْكِينَ الرَّاهِنِ (مِنْ بَيْعِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ) ، يَعْنِي لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ بِثَمَنِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّاهِنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ، (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا (مَنْ قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ تَسْلِيمَ بَعْضِ رَهْنِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَقِيَّةَ) مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ (وَيَحْفَظُهُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَأَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً يَسْكُنُونَ مَعَهُ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُسَاكَنَةِ لَا النَّفَقَةِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ.
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِمْ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ الْوَاجِبَ (وَتَعَدِّيهِ) أَيْ صَرِيحًا (وَإِيدَاعِهِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ (وَجَعَلَ خَاتَمَ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ، وَجَعَلَهُ فِي إصْبَعٍ آخَرَ حُفِظَ (وَتَقَلَّدَ بِسَيْفَيْ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالٌ (لَا الثَّلَاثَةِ) فَإِنَّهُ حِفْظٌ، فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ، وَالضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ضَمَانُ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ أَيْضًا، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ.
(وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ) أَيْ خَاتَمِ الرَّهْنِ (فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ) فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (مُؤَنُ حِفْظِهِ) كَأَجْرِ بَيْتِ الْحِفْظِ وَأَجْرِ الْحَافِظِ فَإِنَّ تَمَامَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ) كَذَا لَوْ بَقِيَ الْقَبْضُ بَعْدَ الْفَسْخِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ أَدَّى إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرَّأَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ تَمْكِينَهُ مِنْ بَيْعِهِ) يَعْنِي لَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ لِيُبَاعَ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا قُدْرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ) نَعَمْ يَصِحُّ بِمَا إذَا بَاعَهُ وَتَسَلَّمَ الثَّمَنَ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ فَأَوْفَاهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ حَبْسُهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ مِنْ ثَمَنِهِ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ خَاتَمَ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ رَجُلًا، أَمَّا لَوْ كَانَ امْرَأَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ لَبِسَهُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَتَقَلَّدَ بِسَيْفَيْ الرَّهْنِ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي السَّيْفَيْنِ يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَتَقَلَّدُ بِسَيْفَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ اهـ.
فَلَمْ يُعَلِّلْ بِعَادَةِ الشُّجْعَانِ بَلْ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ فَوْقَ آخَرَ.
(قَوْلُهُ وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ