للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ ارْتِهَانُهَا أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ حُرًّا أَوْ أَمْثَالَهُ أَوْ يَرْتَهِنَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، (وَلَا يَضْمَنُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْلِمِ (مُرْتَهِنُهَا لِلذِّمِّيِّ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا لَمْ يَضْمَنْهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ.

(وَفِي عَكْسِهِ الضَّمَانُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الرَّاهِنُ ذِمِّيًّا وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا فَيَضْمَنُ الْخَمْرَ لِلذِّمِّيِّ، كَمَا إذَا غُصِبَ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ لِلذِّمِّيِّ (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (بِأَمَانَاتٍ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ فَكَانَ قَبْضُ الرَّهْنِ مَضْمُونًا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانٍ ثَابِتٍ لِيَقَعَ الْقَبْضُ مَضْمُونًا، وَيَثْبُتَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَقَبْضُ الْأَمَانَاتِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لِيَصِحَّ الرَّهْنُ بِهَا (وَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الرَّهْنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ بِدَيْنٍ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ، وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَمَانٌ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَدَرَكٍ) تَفْسِيرُ الرَّهْنِ بِالدَّرَكِ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ سِلْعَةً وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَسَلَّمَهَا، وَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا قَبْلَ الدَّرَكِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَ الرَّهْنِ حَلَّ الدَّرَكُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَهُ حَلَّ الدَّرَكُ أَوْ لَا إذْ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا كَذَا فِي الْكَافِي.

(وَأُجْرَةِ نَائِحَةٍ وَمُغَنِّيَةٍ وَثَمَنِ حُرٍّ) حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا إذْ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ (وَكَفَالَةٍ بِالنَّفْسِ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ (وَشُفْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَعَبْدٍ جَانٍ أَوْ مَدْيُونٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَقِصَاصٍ مُطْلَقًا) أَيْ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ (بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأً) ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ (وَيَصِحُّ بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ) كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ عَدَمِ عَمْدٍ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، فَالْأَمَانَةُ إنْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ فَلَا شَيْءَ فِي مُقَابِلَتِهَا أَوْ بِتَعَدٍّ فَلَا تَبْقَى أَمَانَةً بَلْ تَكُونُ غَصْبًا. وَثَانِيهَا عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهَا الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ بِنَفْسِهَا وَيُرِيدُونَ الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّمَانَ كَمَا عَرَفْت عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتِهِ فَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَ تَعَيَّنَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ، وَثَالِثُهَا عَيْنٌ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ كَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَكِنَّ الثَّمَرَ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ سَمُّوهُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا فَكَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ.

(وَ) يَصِحُّ (بِدَيْنٍ) كَمَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَلَوْ مَوْعُودًا فَيَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (بِمَا وَعَدَ مِنْ الدَّيْنِ) يَعْنِي إنْ رَهَنَ لِيُقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَاكُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمُقَابَلَةِ الْأَلْفِ الْمَوْعُودِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَلْفِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ مُرْتَهِنُهَا الذِّمِّيُّ) خَصَّ إرْجَاعَ الضَّمِيرِ بِالْخَمْرِ فَفَاتَ عِلْمُ حُكْمِ بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ مَعَهَا

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي) يَعْنِي لِلشَّفِيعِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ هَلَاكِهِ.

(قَوْلُهُ فَيَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ بِمَا وَعَدَ مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ إنْ بَيَّنَ قَدْرَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنَّ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>