للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الرَّاهِنِ (إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ) ، بَلْ كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ قَلَّ حَتَّى إذَا كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بَلْ بِالْقِيمَةِ.

(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ضَمَانُ الْمَالِ وَالْمُجَانَسَةُ ثَابِتَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ، (فَإِنْ هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ ثَمَنِ الصَّرْفِ (تَمَّ الْعَقْدُ) أَيْ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ (وَأَخَذَ حَقَّهُ) أَيْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ حُكْمًا (فَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ نَقْدٍ وَهَلَكَ بَطَلَا) أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَمَّا لَمْ يَتَأَتَّ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ، فَقَالَ (وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ (تَمَّ الْعَقْدُ وَصَارَ) أَيْ الرَّهْنُ (عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ) ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ، (وَإِنْ فُسِخَ) أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ (صَارَ) أَيْ الرَّهْنُ (رَهْنًا بِبَدَلِهِ) وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فَيَحْبِسُهُ، فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ (وَهَلَكَ رَهْنُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ هَلَكَ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ.

(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَبِ (عَبْدَ طِفْلَةٍ) مَفْعُولُ الرَّهْنِ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنَ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ خَوْفًا مِنْ الْغَرَامَةِ، وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا، الْوَدِيعَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمَا.

(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ ذَكِيَّةٍ إنْ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا وَالْخَلُّ خَمْرًا وَالذَّكِيَّةُ مَيْتَةً وَبِبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ إنْ أَقَرَّ أَنْ لَا دَيْنَ) ، صُورَتُهُ رَجُلٌ صَالَحَ عَنْ إنْكَارٍ وَرَهَنَ بِبَدَلِ الصُّلْحِ شَيْئًا، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا مَرَّ أَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ ظَاهِرًا. يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً.

(شَرَى عَلَى أَنْ يَرْهَنَ شَيْئًا أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا) حَالَ كَوْنِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ (مُعَيَّنَيْنِ لِثَمَنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُعْطِيَ، (وَأَبَى) أَيْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَ مَا سَمَّاهُ، أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا سَمَّاهُ (صَحَّ) أَيْ الشِّرَاءُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَمَا مَرَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَهُوَ يُلَائِمُ وُجُوبَ الثَّمَنِ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا، وَالرَّهْنُ مُعَيَّنًا اُعْتُبِرَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ عَيْنُ الشَّرْطِ فَفَسَدَ، (وَلَا يُجْبَرُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (عَلَى الْوَفَاءِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، وَإِنَّمَا صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ إذَا وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَالْوَعْدُ بِالرَّهْنِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الرَّهْنِ وَلَوْ رَهَنَهُ لَا يُلْزَمْ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَلَأَنْ لَا يَصِيرَ لَازِمًا بِالْوَعْدِ أَوْلَى (فَلِلْبَائِعِ فَسْخُهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ ثَمَنَهُ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا) أَيْ إذَا أَبَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ كَانَ لِهَذَا الشَّرْطِ فَبِدُونِهِ لَا يَكُونُ رَاضِيًا، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِ الرَّهْنِ إلَّا إذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ حِينَئِذٍ إذْ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَمَانَةٌ.

(قَالَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (لِبَائِعِهِ) وَقَدْ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الْمَبِيعِ (أَمْسِكْ هَذَا حَتَّى أُعْطِيَ ثَمَنَهُ كَانَ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ.

(رَهَنَ عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ، وَكُلُّهُ رَهْنٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا)

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ) يَعْنِي قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (قَوْلُهُ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ هَلَكَ أَيْ الرَّهْنُ ثُمَّ الْعَقْدُ) أَيْ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا) أَيْ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ يَضْمَنُ لِلصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَهُوَ إلَى الْكَاكِيِّ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ فَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَتَمَامُهُ فِيهِ مُفَرَّعًا

(قَوْلُهُ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ. . . إلَخْ) كَذَا إعْطَاءُ الْكَفِيلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا لِيَتِمَّ التَّعْلِيلُ لِلْجَانِبَيْنِ.

(قَوْلُهُ قَالَ لِبَائِعِهِ وَقَدْ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الْمَبِيعِ أَمْسِكْ هَذَا) التَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>