وَعَلَنًا) وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَضَاءِ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعَدْلِ فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ (وَبِهِ يُفْتِي) ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ قِطْعَةَ قِرْطَاسٍ كَتَبَ فِيهِ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَحِلْيَتَهُمْ وَيَلْتَمِسَ مِنْ الْمُزَكِّي تَعْرِيفَ حَالِهِمْ، وَالتَّزْكِيَةُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَسْأَلُ الْمُزَكِّي عَنْ الشُّهُودِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ أَهَؤُلَاءِ عُدُولٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ لِيُزَكِّيَهُمْ أَوْ يَجْرَحَهُمْ وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ إذْ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعِي يُقَابِلُونَ الْجَارِحَ بِالْأَذَى وَالْإِضْرَارِ بِهِ (وَكَفَى لِلتَّزْكِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي) أَيْ يَكْتُبَ الْمُزَكِّي فِي ذَلِكَ الْقِرْطَاسِ تَحْتَ اسْمِهِ (هُوَ عَدْلٌ) وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَائِزُ الشَّهَادَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ إذْ الْعَبْدُ أَوْ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ قَدْ يُعَدَّلُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ التَّائِبَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا كَمَا ذَكَرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِيَخْرُجَ وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَيْدِ لِيُخْرِجَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ أَصَحَّ
(وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ) هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّ تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْإِنْكَارِ، وَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ تَعْدِيلِ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِتَعْدِيلِهِ تَزْكِيَتُهُ (بِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسَوْا وَهُمْ عُدُولٌ) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا (وَأَمَّا لَوْ قَالَ صَدَقُوا أَوْ عُدُولٌ صَدَّقَهُ فَقَدْ لَزِمَ الْحُكْمُ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يَجُوزُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا
(كَفَى وَاحِدٌ لِلتَّزْكِيَةِ وَلِتَرْجَمَةِ الشَّاهِدِ وَالرِّسَالَةِ إلَى الْمُزَكِّي) لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ التَّائِبِ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ (وَالْأَحْوَطُ اثْنَانِ) لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةُ طُمَأْنِينَةٍ هَذَا كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ وَلِذَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ
(لِسَامِعٍ) أَيْ يَجُوزُ لِسَامِعِ (مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ) كَالْبَيْعِ بِأَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْبَائِعِ بِعْتُ وَقَوْلَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ وَالْإِقْرَارِ بِأَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا (أَوْ رَأَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ) كَحُكْمِ قَاضٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ قَتْلٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِهِ) فَاعِلُ قَوْلِهِ يَجُوزُ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ لِسَامِعٍ (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا) يَعْنِي مَا لَمْ يُعَدِّلْهُ غَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِفِسْقِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ. . . إلَخْ) يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ نَظِيرُهُ تَفْرِيعُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ
(قَوْلُهُ كَفَى وَاحِدٌ لِلتَّزْكِيَةِ وَلِتَرْجَمَةِ. . . إلَخْ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ كَمَا سَيَأْتِي اهـ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةُ ذُكُورٍ وَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ وَفِي الْحُقُوقِ يَجُوزُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ رَتَّبَهَا مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ اهـ.
وَتَرْجَمَةُ الْأَعْمَى مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ. . . إلَخْ) كَذَا يَجُوزُ تَزْكِيَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَتَزْكِيَةُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَبِالْقَلْبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ اثْنَانِ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَجَازَ تَزْكِيَةَ الصَّبِيِّ وَقَالُوا يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِسَامِعٍ أَيْ يَجُوزُ لِسَامِعٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ. . . إلَخْ)
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ. اهـ.