للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذْ لَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَحَلِّ سِوَى حَقِّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوِلَايَةِ كَمَا مَرَّ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ لَا حَقًّا لِلَّهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ صَالَحَ عَنْ حَدٍّ بَطَلَ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا لِلَّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ حَقًّا لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ بِأَنْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بِالصُّلْحِ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إمَّا بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ حَقِّهِ أَوْ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ بِأَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ فَالْغَالِبُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَغْلُوبُ مُلْحَقٌ بِالْمَعْدُومِ شَرْعًا (بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ) حَيْثُ يَصْلُحُ الصُّلْحُ عَنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَالْقِصَاصِ) فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِأَنَّهُ أَيْضًا حَقُّ الْعَبْدِ

(وَ) شَرْطُهُ أَيْضًا (كَوْنُ الْبَدَلِ مَالًا) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ وَأَشْبَهِهَا رَوْمًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَصَيْدِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ (مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ) وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْلُومِيَّتُهُ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَذَا فِي الْكَافِي (أَوْ مَنْفَعَةٍ) بِأَنْ صَالَحَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ زِرَاعَةِ أَرْضٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ وَقْتًا مَعْلُومًا جَازَ الصُّلْحُ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَقَدْ وُجِدَ (وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّعْوَى) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ

(وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ (إمَّا بِإِقْرَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ سُكُوتٍ) عَنْهُ بِأَنْ لَا يُقِرَّ وَلَا يُنْكِرَ (أَوْ إنْكَارٍ) وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ (الْأَوَّلُ) أَيْ الصُّلْحُ بِإِقْرَارٍ (كَبَيْعٍ) فِي أَحْكَامِهِ (لَوْ) وَقَعَ (عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَمَا مَرَّ (فَيَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الصُّلْحِ (أَحْكَامُهُ) أَيْ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَهِيَ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِعَيْبٍ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَالْفَسَادُ بِجَهَالَةِ الْبَدَلِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُفْضِيَةُ إلَى

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا) كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةِ رَجُلٍ فَعَلِمَ الزَّوْجُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الصُّلْحَ فَصَالَحَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمَا كَانَ بَاطِلًا وَعَفْوُهُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَالرَّجُلُ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْمُحْصَنَةَ حَتَّى وَجَبَ اللِّعَانُ ثُمَّ صَالَحَهَا عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَ اللِّعَانَ كَانَ بَاطِلًا أَوْ عَفْوُهَا بَعْدَ الرَّفْعِ بَاطِلٌ وَقَبْلَ الرَّفْعِ جَائِزٌ (قَوْلُهُ وَشَرِبَ الْخَمْرَ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ قَاضِي خَانْ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي إذَا صَالَحَ شَارِبَ الْخَمْرِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا وَيَعْفُوَ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ بِأَنْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ) لَا يَخْتَصُّ عَدَمُ الصُّلْحِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ صَالَحَ رَبُّ الْمَالِ سَارِقَهُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ مَا رَفَعَ إلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَرَاءَةِ عِنْدَنَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ) أَيْ بَطَلَ الصُّلْحُ وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا تُبْطِلُ الْحَدَّ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْقِصَاصِ) كَذَا الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا خَطَأٌ كَمَا سَيَأْتِي

(قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ) كَذَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَفِي غَيْرِهَا عَبَّرَ بِعَنْ وَذَا لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَمَا لَا يَصِحُّ لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ ثُمَّ هَذَا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْمَتْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَوْنُ الْبَدَلِ مَالًا فَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ صَالِحًا لِلْعِوَضِ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِ

(قَوْلُهُ أَوْ إنْكَارِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ صَالَحَ الْوَصِيُّ عَنْ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ إنْكَارٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً عَادِلَةً فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى الْأَلْفِ وَكَذَا الْيَتِيمُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَفَ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْبَدَلَ فَلَا يَصِحُّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ رَاجِعًا إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] لِمَا قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ خَيْرٌ وَلَا يَعُودُ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ، وَالْعِلَّةُ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ حَسَنٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>