للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى

(صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ لَمْ يَصِحَّ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى كَانَ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطًا لِلْبَعْضِ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالدَّيْنِ حَتَّى إذَا مَاتَ وَاحِدٌ وَتَرَكَ مِيرَاثًا فَبَرِئَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ بَرَاءَةً عَنْ الْأَعْيَانِ (إلَّا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي) هَذَا مَا قَالُوا مِنْ الْحِيلَةِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى بَدَلِ الصُّلْحِ دَوْمًا مَثَلًا لِيَكُونَ مُسْتَوْفِيًا بَعْضَ حَقِّهِ وَأَخَذَ الْعِوَضَ عَنْ الْبَعْضِ أَوْ يُلْحِقُ بِهِ ذِكْرَ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ دَعْوَى الْعَيْنِ جَائِزٌ

(صَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ صُلْحُهُ.

(وَ) عَنْ دَعْوَى (الْمَنْفَعَةِ) كَأَنْ يَدَّعِيَ فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً مِنْ صَاحِبِهَا فَجَحَدَ الْوَارِثُ أَوْ أَقَرَّ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ جَازَ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ جَائِزٌ فَكَذَا الصُّلْحُ لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ

(وَ) عَنْ دَعْوَى (الرِّقِّ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ جَازَ (وَكَانَ عِتْقًا بِمَالٍ مُطْلَقًا) أَيْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ (لَوْ) وَقَعَ الصُّلْحُ (بِإِقْرَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ (فَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعِتْقٌ بِمَالٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي) حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْوَلَاءُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَتُقْبَلَ وَيَثْبُتَ الْوَلَاءُ.

(وَ) عَنْ دَعْوَى (الزَّوْجِ النِّكَاحَ وَكَانَ خُلْعًا) يَعْنِي صَحَّ الصُّلْحُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الصِّحَّةِ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَنْ تَرْكِ الْبُضْعِ خُلْعٌ وَالصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَفِي حَقِّهَا لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ (لَا عَنْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ) أَيْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي الْمَرْأَةَ بِأَنْ تَدَّعِيَ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهَا عَلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهَا لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَلَا عِوَضَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْفُرْقَةِ كَمَا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ فُرْقَةً فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمَّا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ دَعْوَاهَا عَلَى حَالِهَا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي زَعْمِهَا فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَكَانَ رِشْوَةً وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ لَا الزِّيَادَةِ فَسَقَطَ الْأَصْلُ لَا الزِّيَادَةُ.

(وَ) لَا عَنْ (دَعْوَى حَدٍّ) لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَجْرِي فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

(وَ) دَعْوَى (نَسَبٍ) لِأَنَّ الصُّلْحَ إمَّا إسْقَاطٌ أَوْ مُعَاوَضَةٌ، وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُهُمَا

(وَلَا إذَا قَتَلَ مَأْذُونٌ رَجُلًا عَمْدًا وَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا ثُمَّ صُلْحُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحْ لَكِنْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَهُ فَقَدْ عَفَا عَنْهُ بِبَدَلٍ فَصَحَّ الْعَفْوُ وَلَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَلْ تَأَخَّرَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ صُلْحَهُ عَنْ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى) يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِهِ يَبْطُلُ بِقَدْرِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْهَلَاكُ

(قَوْلُهُ صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ بَرَاءَتَهُ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي أَوْ يَزِيدَهُ دِرْهَمًا وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ.

(قَوْلُهُ صَحَّ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ) يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا فِيمَا إذَا وَقَعَ عَنْهُ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَقَطْ وَإِنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَنَافِعَ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ دَعْوَى الْمَنْفَعَةِ كَأَنْ يَدَّعِي فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً) يَعْنِي أَوْ ادَّعَى الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ صُورَةُ دَعْوَى الْمَنَافِعِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ تَصَالَحَا لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى

(قَوْلُهُ وَعَنْ دَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ) لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الزَّوْجِ لَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ الْمُدَّعِي فَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ (قَوْلُهُ لَا عَنْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْوِقَايَةِ وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَالْأَوَّلُ فِي بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>