للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» أَيْ لِيَقْرُبْ مِنِّي الْبَالِغُونَ (فَالصِّبْيَانُ فَالْخَنَاثَى) بِفَتْحِ الْخَاءِ جَمْعُ الْخُنْثَى كَالْحَبَالَى جَمْعُ الْحُبْلَى قَدَّمَ الصِّبْيَانَ لِتَمَحُّضِهِمْ فِي الذُّكُورَةِ (فَالنِّسَاءُ لَوْ حَاذَتْهُ قَدْرَ رُكْنٍ) اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ مُفْسِدَةً لِلصَّلَاةِ مَشْرُوطٌ بِأُمُورٍ الْأَوَّلُ الْمُكْثُ فِي مَكَانِ الْمُحَاذَاةِ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ حَتَّى لَا يُفْسِدَهَا مَا دُونَهُ. الثَّانِي كَوْنُ الْمُحَاذِيَةِ مُشْتَهَاةً بِأَنْ كَانَتْ ضَخْمَةً قَابِلَةً لِلْجِمَاعِ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُرَادُ كَوْنُهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى لَا يُفْسِدُهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَحْرَمًا أَوْ عَجُوزًا تَنْفِرُ عَنْهَا الطِّبَاعُ تُفْسِدُ. الثَّالِثُ كَوْنُ صَلَاتِهِمَا ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَإِنْ كَانَا يُصَلِّيَانِ بِالْإِيمَاءِ حَتَّى إنَّ الْمُحَاذَاةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا تُفْسِدُ. الرَّابِعُ كَوْنُ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَأْدِيَةً بِأَنْ يَكُونَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

الْكِبَارُ ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ اهـ قُلْت لَاحَ لِي اشْتِبَاهٌ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْخُنْثَى، وَقَدْ صَارَ خَلْفَ صَفِّ مِثْلِهِ أَوْ مُحَاذِيًا لَهُ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ فَتَفْسُدُ بِالْمُحَاذَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إمْكَانِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ صِحَّةُ صَلَاةِ أَصْحَابِهَا وَذَلِكَ لِمُعَامَلَةِ الْخُنْثَى بِالْأَضَرِّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ اهـ.

وَأَجَابَ شَيْخُنَا أَمْتَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ بِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِيمَا إذَا وُجِدَ مَعَهُ مَنْ حَالُهُ وَاضِحَةٌ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي الِاصْطِفَافِ وَالْقِيَامِ مُحَاذِيًا لِمِثْلِهِ اهـ لَكِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِمِثْلِهِ اهـ.

وَبِهِ يَظْهَرُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِمُحَاذَاتِهِ لِمِثْلِهِ وَاصْطِفَافِهِ خَلْفَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى صَلَاةٍ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسْطِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَسَاءَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْمَلَ مَا يَلِي الْإِمَامَ مِنْ الصُّفُوفِ حَتَّى إنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةً دُونَ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الثَّانِيَ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ لِتَقْصِيرِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَسُدُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ مَا يُكْمِلُوا مَا يَلِيهِ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً سَدَّهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ مَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» . وَرَوَى الْبَزَّارُ وَبِإِسْنَادِ حَسَنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً مِنْ الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ» وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ تَحَرُّكِهِ لِأَجْلِهِ بَلْ ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةِ سَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ، وَالْقِيَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي ثُمَّ وَثُمَّ لِمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْزَلَ الرَّحْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ يُنْزِلُهَا أَوَّلًا عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ تَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى مَنْ يُحَاذِيهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ إلَى الْمَيَامِنِ ثُمَّ إلَى الْمَيَاسِرِ ثُمَّ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي» وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْتَبُ لِلَّذِي خَلْفَ الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ مِائَةُ صَلَاةٍ وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ خَمْسُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي سَائِرِ الصُّفُوفِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً» كَذَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ حَاذَتْهُ) الضَّمِيرُ لِلْمُصَلِّي الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَالْخِطَابِ بِتَأْخِيرِهِنَّ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الصَّبِيِّ بِالْمُحَاذَاةِ عَلَى هَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ.

(قَوْلُهُ قَدْرَ رُكْنٍ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِأَدَائِهِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ الْخَامِسُ أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ قِيلَ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ وَقَفَتْ قَدْرَهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ، وَقِيلَ لَوْ حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِهِ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا إلَّا فِي قَدْرِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ كَوْنُهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجْنُونَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِمُحَاذَاةِ الْمَجْنُونَةِ بِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهَا كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ خَارِجَةً بِقَيْدِ الِاشْتِرَاكِ تَأْدِيَةً.

(قَوْلُهُ الرَّابِعُ كَوْنُ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَأْدِيَةً. . . إلَخْ) أَقُولُ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ مُشْتَرَكَةً تَأْدِيَةً عَمَّا قِيلَ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً إذْ يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ تَأْدِيَةً اشْتِرَاكُ تَحْرِيمَةٍ وَيَعُمُّ الِاشْتِرَاكَيْنِ كَمَا فُسِّرَ بِهِ وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ قِيلَ بَدَلَ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً مُشْتَرَكَةً أَدَاءً وَيُفَسَّرُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَالَةَ الْمُحَاذَاةِ أَوْ أَحَدُهُمَا إمَامٌ لِلْآخَرِ لَعَمَّ الِاشْتِرَاكَيْنِ اهـ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَكِنْ ذَكَرُوهُمَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ أَدَاءً الِاشْتِرَاكُ تَحْرِيمَةً اهـ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا أَنَّهُمْ أَفْرَدُوا بِالذِّكْرِ كُلًّا مِنْ الِاشْتِرَاكِ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً، وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَدَاءِ مُغْنِيًا تَفْصِيلًا لِمَحِلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>