للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي رَأْسَهُ» وَقَوْلِ حُذَيْفَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» .

وَنَحْوِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَمَضْمُونُ الْجُمْلَةِ هُوَ الْجَزَاءُ الْمُخْبَرُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَكَانَ الْمَعْنَى الْإِخْبَارَ بِمُضِيِّ الْجَزَاءِ وَيَلْزَمُ مِنْ الْجَزَاءِ مُضِيُّ الشَّرْطِ يَصِحُّ بِذَلِكَ مَا ادَّعَيْتُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُودِ الْجَزَاءِ مُطَابَقَةً عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ الْتِزَامًا؛ وَهَكَذَا قَوْلُنَا: كَانَ زَيْدٌ إذَا حَدَّثَ صَدَقَ حَيْثُ لَا نُرِيدُ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ ذَلِكَ صِفَتُهُ وَدَيْدَنُهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِمُضِيِّ صِدْقِهِ فِي حَدِيثِهِ فَالصِّدْقُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ وَالْحَدِيثُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ. فَإِنْ قُلْت: الْمَعْنَى فِي كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ وَفِي كَانَ زَيْدٌ إذَا حَدَّثَ صَدَقَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَيَقُومُ وَبِأَنَّهُ إذَا حَدَّثَ صَدَقَ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُهُمَا.

قُلْت: قَدْ أَبْطَلْت ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ مِنْ مَعَانِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ زَيْدٌ مَضَى أَنَّهُ سَيَقُومُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُضِيُّ عَنْ وَقْتِ الْإِخْبَارِ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي كَانَ قَائِمًا وَكَانَ يَقُومُ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ سَيَقُومُ وَلَا بِأَنَّهُ إذَا حَدَّثَ صَدَقَ وَلَكِنَّ الْإِخْبَارَ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ حُصُولُ الْقِيَامِ مِنْهُ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ عَنْ أَوَّلِ أَزْمِنَةِ كَانَ إلَى آخِرِهَا وَكَذَلِكَ حُصُولُ مَضْمُونِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهُوَ الْمُخْبَرُ بِهِ الْمَحْكُومُ بِهِ وَهُوَ الْجَزَاءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الشَّرْطِ وَمِنْ لَازِمِهِ الشَّرْطُ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِالْتِبَاسُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ تَقْدِيرِ مَدْلُولِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ كَالْمَنْسُوقِ بِهَا حَالَةَ الْكَوْنِ بِمَعْنَى أَنَّ الْقَائِلَ كَانَ زَيْدٌ إذَا جَاءَ أَكْرَمْتُهُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَمْسِ إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ وُجُودُ الْمَجِيءِ وَلَا الْإِكْرَامِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالزَّمَانِ الْمَاضِي بَلْ عَمَّ مَا بَعْدَ كَانَ مِنْ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَنْهَا وَعَنْ حَالَةِ الْإِخْبَارِ الْآنَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُخْبِرُ الْآنَ حَاكِمٌ بِنِسْبَةِ الْجَزَاءِ إلَى الشَّرْطِ مُسْتَنَدَةً إلَى مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ فَيَجِبُ أَنْ يُتَنَبَّهَ إلَى أَنَّ فِي كُلِّ قِصَّةٍ مِثْلُ قَوْلِنَا قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا حُصُولُ الْقِيَامِ مِنْ زَيْدٍ وَالثَّانِي حُكْمُك بِذَلِكَ وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ وَالظَّرْفِ وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِلْأَوَّلِ، وَكِلَاهُمَا أَعْنِي حُصُولَ الْقِيَامِ مَعَ قُيُودِهِ دَاخِلَانِ تَحْتَ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فَالْحُكْمُ وَارِدٌ عَلَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْجُمْلَةِ بِقُيُودِهِ وَشُرُوطِهِ وَظُرُوفِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَكَانَ تَدُلُّ عَلَى اقْتِرَانِ ذَلِكَ بِالزَّمَانِ الْمَاضِي وَهُوَ انْتِسَابُ الْقِيَامِ إلَى زَيْدٍ لَا النِّسْبَةَ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْحَاكِمِ. وَإِنَّمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسْبَةَ تَارَةً يُرَادُ بِهَا فِعْلُ الْحَاكِمِ أَعْنِي حُكْمَهُ بِذِهْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>