للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَحْضَةٌ كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ، وَالْإِجَارَةِ، وَغَيْرِهَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِوَضَ يَتَقَسَّطُ إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي، وَالْمُسْلِمُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ، وَنَحْوُهُ. وَلَيْسَ التَّقْسِيطُ رَاجِعًا إلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَقَطْ بَلْ بِقَرِينَةِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ بِحَسَبِهِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا لَزِمَهُ بِقَدْرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مُعَاوَضَةً غَيْرَ مَحْضَةٍ كَالْجَعَالَةِ، وَالْخُلْعِ، وَنَحْوِهِمَا يَلْحَقُ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مَا يُبْذَلُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنَّ الْعَمَلَ الْحَاصِلَ لَهُ فِي رَدِّ عَبْدِهِ بِالْجَعَالَةِ مِثْلُ الْعَمَلِ الْحَاصِلِ لَهُ بِالْإِجَارَةِ، وَالْبُضْعُ الْحَاصِلُ لِلْمُخْتَلِعَةِ نَفْسِهَا كَالْعِوَضِ الْحَاصِلِ لَهَا بِالشِّرَاءِ، وَنَحْوِهَا فَلِذَلِكَ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ: إنَّهُ إذَا خَالَعَ نِسْوَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ، وَيُحَبُّ لِكُلِّ، وَاحِدَةٍ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَقِيلَ: يُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى، وَلَوْ قَالَتَا: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا، وَقَعَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَا: رُدَّ عَبْدَيْنَا بِكَذَا فَرَدَّ أَحَدَهُمَا، وَالْوَاجِبُ عَلَى الَّذِي طَلَّقَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَبِلَ حِصَّتَهَا مِنْ الْمُسَمَّى إذَا وُزِّعَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا، وَقِيلَ: نِصْفُ الْمُسَمَّى تَوْزِيعًا عَلَى الرُّءُوسِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَاجِبِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا طَلَّقَهُمَا جَمِيعًا، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ نَوْعٌ يُسَمَّى فِدَاءً كَخُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَفْتَدِي بِهِ الْمَرْأَةَ

وَشِرَاءُ مَنْ أَقَرَّ بِجُزْئِيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ أَيْضًا جَارٍ عَلَى حُكْمِ الْمُعَاوَضَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْعَيْنِ، وَبِالدَّيْنِ، فَإِذَا اُفْتُدِيَ اثْنَانِ بِعَبْدِ لَهُمَا حُرٍّ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَيَسْتَرِقُّهُ، أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا صَحَّ، وَمَلَكَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا الْعَبْدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ الْبُضْعِ فَهِيَ مُقَابَلَةٌ صَحِيحَةٌ، وَتَقْسِيطٌ صَحِيحٌ لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ، وَإِذَا اُفْتُدِيَا بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِمَا كَانَ مُقَسَّطًا عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ، وَهَكَذَا فِدَاءُ الْأَسَارَى مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَضَمَانُ السَّفِينَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ يُشْبِهُهُ مِنْ وَجْهٍ بِاخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ، وَمِنْ وَجْهٍ بِافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ، وَمِنْ وَجْهٍ بِافْتِدَاءِ مَنْ يُعْلَمُ حُرْمَتُهُ، وَاَلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ يَجْهَلُ، وَإِنَّمَا غَايَرْنَا بَيْنَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ عَلَى بُضْعِ زَوْجَتِهِ ثَابِتٌ، وَالْمُخْتَلِعُ يَنْبَغِي إزَالَتُهُ إزَالَةً صَحِيحَةً فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا، وَفِيهَا إزَالَةُ مِلْكٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَانِبِ الزَّوْجِ بِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ، وَجَانِبِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَالِ الْمُبَدَّلِ.

وَافْتِدَاءُ الْأَسِيرِ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَ فِيهِ إزَالَةُ مِلْكٍ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، وَلَا يَدَ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْفَادِي فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا بَذَلَهُ مِنْ الْفِدَاءِ، وَالْكَافِرُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا يُعْطِيه لَهُ لِلضَّرُورَةِ لِافْتِدَاءِ الْمُسْلِمِ، وَافْتِدَاءِ الْحُرِّ مِمَّنْ يَسْتَرِقُّهُ فَظَاهِرُ الْأَمْرِ كَالْخُلْعِ، وَفِي الْبَاطِنِ كَالْأَسِيرِ إنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ ظَالِمٌ فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>